للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمذكَّر، وهو الإحسانُ، فيفهم المقابلة المطلوبة. قالوا: ومن تأويل المؤنث بمذكَّر ما أنشده الفَرَّاء (١):

وَقَائِعُ في مُضَرٍ تِسْعَةٌ ... وفي وائِلٍ كانَتِ العاشِرَهْ

فتأوَّلَ الوقائعَ وهي مؤنَّثَةٌ بأيام الحرب المذكَّرة، فأَنَّث العَدَدَ الجاري عليها، فقال: تسعة، ولولا هذا التأويل لقال: تِسْعٌ؛ لأن الوقائع مؤنثة، قالوا: وإذا جاز تأويل المذكر بمؤنث في قول من قال: "جاءَتْهُ كِتابي"، أي: صَحِيفتي، وفي قول الشاعر (٢):

يا أيُّها الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ ... سَائِلْ بني أسَدٍ ما هذهِ الصَّوْتُ

أي: ما هذه (٣) الصيحَة؟ مع أنه حَمْل أصلٍ على فرع، فَلأَنْ يجوزَ تأويل مؤنث بمذكر، لكونه حَمْل فرع على أصل أولى وأحرى، وهذا وجهٌ جيد، وقد اعترض عليه باعتراضين فاسدين غير لازمين:

أحدهما: أنه لو جاز تأويل المؤنث بمذكر يوافقه وعكسه، لجاز أن يقال: "كَلَّمَتْنِي زَيدٌ، وَأَكْرَمَتْنِي عَمْرٌو، وكَلَّمَنِي هِنْدٌ، وأكْرَمَنِي زَيْنَبُ" تأويلًا لزيْدٍ وعمْرٍو بالنفس والجثة، وتأويلاً لهندٍ وزينبَ بالشخص والشَّبَح، وهذا باطلٌ (٤).

وهذا الاعتراضُ غيرُ لازم، فإنهم لم يدَّعواْ اطّرادَ ذلك، وإنما ادَّعوا أنه مما يَسُوغ أن يستعملَ، وفَرْق، بين ما يَسُوغُ في بعض الأحيان


(١) أنشده ابن الأنباري في "الإنصاف": (٢/ ٧٦٩) بلا نسبةٍ.
(٢) هو: رُوَيشد بن كثير الطائي، كما في "حماسة أبي تمام": (١/ ١٠٢).
(٣) "ما هذه" من (ع) فقط.
(٤) من قوله: "زينب، تأويلًا ... " سقط من (ق) وبياض في (ظ).