للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبين ما يَطَّرِد كرفع الفاعل ونصب المفعول، وهم لم يدَّعوا أنه من القسم الثاني.

ثم إن هذا الاعتراضَ مردودٌ بكلِّ ما يسوغُ استعمالُه بمُسَوِّغٍ وهو غير مُطَّرِد، وهو أكثرُ من أن يذكر هاهنا، ولا ينكرُه نحْوِيٌّ أصلًا، وهل هذا إلا اعتراضٌ (١) على قواعد العربية بالتشكيكات والمناقضات؟! وأهلُ العربية لا يلتفتون إلى شيء من ذلك، فلو أنهم قالوا: يجوزُ تأويلُ كلِّ مؤنَّث بمذكَّر يوافقه وبالعكس لصحَّ النقض، وإنما قالوا: يسُوغ أحيانًا تأويل أحدهما بالآخر لفائدة يتضمَّنُها (٢) التأويل، كالفائدة التي ذكرناها من تأويل الرَّحمة بالإحسان.

الاعتراض الثاني: أن حَمْل الرحمة على الإحسان؛ إما أن يكونَ حملًا على حقيقته أو مجازه، وهما ممتنعان، فإن الرحمة والإحسان مُتَغَايرَانِ، لا يلزمُ من أحدهما وجود الآخر؛ لأن الرحمة قد توجدُ وافرةً في حقِّ من لا يتمكَّنُ من الإحسان كالوالدة العاجزة ونحوها (٣)، وقد يوجدُ الإحسان ممَّن لا رحمةَ في طباعه كالمَلِك القاسي، فإنه قد يُحسِنُ إلى بعض أعدائِهِ وغيرهم لمصلحة مُلْكِهِ مع أنه لا رحمةَ عندَهُ، وإذا تبَيَّنَ انفكاكُ أحدهما عن الآخر لم يَجُزْ إطلاقُه عليه لا حقيقةً ولا مجازًا.

أما الحقيقةُ فظاهرٌ، وأما المجازُ فإن شرطهُ خطورُ (٤) المعنى المجاري بالبال ليَصِحَّ انتقالُ الذهن إليه، فإذا كان منفكًّا عن الحقيقة


(١) (ق وظ): "الاعتراض"!.
(٢) (ق وع): "يتضمنه".
(٣) (ظ): "كالوالد العاجز ونحوه" و (ق): "كالوالدة العاجز".
(٤) (ع): "حضور".