للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يخطرْ بالبال (١)، وهذا الاعتراضُ أفسدُ من الذي قبلَه، وهو من باب التَّعَنُّت والمناكدة.

وأين هذا من قول أكثر المتكلمين -ولعل هذا المعترض منهم-: إنه لا معنى للرحمة غالبًا إلا الإحسانُ المحضُ، وأما الرِّقَّةُ والحِنَّة (٢) التي في الشاهد فلا يوصفُ الله تعالى بها، وإنما رحمتُه مجرَّدُ إحسانه، ومع أنَّا لا نرتضي هذا القولَ، بل نثبتُ لله تعالى الرحمةَ حقيقةً، كما أثبتها لنفسه منزَّهَةً مبرَّأَةً عن خواصِّ صفاتِ المخلوقين، كما نقوله في سائر صفاته، من إرادتِهِ وسمعِهِ وبصرِهِ وعلمِهِ وحياتِهِ وسائرِ صفات كماله، فلم نذكره إلا لِنُبَيَّنَ فسادَ اعتراض هذا المعترض على قول أئمته ومن قال بقوله من المُتَكَلِّمينَ.

ثم نقول: الرحمةُ لا تنفكُّ عن إرادة الإحسان، فهي مستلزمةٌ للإحسان أو إرادته استلزامَ الخاصِّ للعام، فكما يستحيلُ وجودُ الخاص بدون العام، فكذلك الرحمة بدون الإحسانِ أو إرادتِه يستحيلُ وجودُها.

وأما قضيّةُ الأم العاجزة فإنها وإن لم (٣) تقدِر على الإحسان بالفعل فهي محسِنةٌ بالإرادة، فرحمتها لا تنفكُّ عن إرادتها التامَّة للإحسان، التي يقترنُ بها مقدورها إمَّا بدُعاء وإمَّا بإيثار بما تقدر عليه، ونحو ذلك، فتخلُّف بعض الإحسان التي لا تقدرُ عليه عن رحمتها لا يخرجُ رحمتَها عن استلزامها للإحسان المقدور، وهذا واضحٌ.

وأما المَلِكُ القاسي إذا أحسَنَ فإن إحسانه لا يكون رحمةً، فهذا


(١) (ظ): "بالذهن".
(٢) الحِنَّة: هي رقة القلب. "اللسان": (١٣/ ١٢٩).
(٣) (ظ): "وإن لم تكن ... ".