للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك ولا حَذْف، فتأمَّلْ هذا الموضعَ الذي خَفِيَ على القومِ مع وضوحه.

وإذا عُرِف هذا فقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٥٦] ليس في اللَّفظ ما يدُلُّ على إرادة (ق /٢١٤ أ)، موضع ولا مكانٍ أصلًا، فلا يجوزُ دعوى إضماره، بل دعوى إضماره خطأ قطعًا؛ لأنه يتضمَّنُ الإخبارَ بأن المتكلِّم أرَاد المحذوفَ ولم ينصبْ على إرادته دليلًا لا صريحًا ولا لزومًا، فدعوى المُدَّعي أنه أراده (١) دعوى باطلةٌ.

وأما قوله: "بَرَدَى يُصَفَّقُ" فليس أيضًا من باب حذف المُضاف، بل أراد "ببَرَدَى" النهر وهو مُذَكَّرٌ، فوصفه بصفة المذكَّر فقال: يُصَفَّقُ (٢)، فلم يُذَكَّرَ بناء على حذف مضاف، وإنما ذُكَر بناءً على أن بَرَدَى المُرادُ به النهرُ.

فإن قلتَ: فلابُدَّ من حذف مضاف؛ لأنهم إنما يَسقُونَ ماءَ بَرَدَى لا نفسَ النهر.

قلتُ: هذا وإن كان مرادَ الشاعر فلم يلزمْ منه صحَّةُ ما ادَّعاه من أنه ذكر "يُصَفَّقُ" باعتبار الماء المحذوف، فإن تذكيره إنما يكونُ باعتبار إرادة النهر وهو مذكَّرٌ، فلا يدلُّ على ما ادَّعَوْه.

وأما قولة - صلى الله عليه وسلم -: "هذانِ حَرامٌ"؛ ففي إفراد الخبر سِرٌ بديعٌ جدًّا، وهو التنبيهُ والإشارةُ على أن كلَّ واحدٍ منهما بمفرده موصوفٌ بأنه حرامٌ، فلو ثَنَّى الخبر لم يكن فيه تنبيهٌ على هذا المعنى، فلهذا أفْرَدَ الخبر، فكأنه قال: "كلُّ واحدٍ من هذين حرامٌ"، فدلَّ إفرادُ الخبر على إرادة الإخبار عن كل واحدٍ واحدٍ بمفرده، فتأمَّلْه فإنه من بديع


(١) من قوله: "إرادته ... " إلى هنا سقط من (ع).
(٢) من قوله: "فليس أيضًا ... " إلى هنا سقط من (ق).