للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيء حائِضٌ وشيء طامِثٌ" (١) وهذا المسلك -أيضًا- ضعيف لثلاثة أوجه:

أحدها: أن حذفَ الموصوف وإقامةَ الصِّفة مقامَهُ إنما يحسُنُ بشرطين: أن تكونَ الصِّفَةُ خاصَّةً يُعْلَمُ ثبوتها لذلك الموصوف بعينه لا لغيره. الثاني: أن تكونَ الصِّفَةُ قد غلب استعمالها مفردةً على الموصوف (٢)، كالبَرِّ والفاجر والعالم والجاهل والمتِّقي والرسول والنبي، ونحو ذلك مما غلب استعمالُ الصِّفَة فيه مجرَّدَةً عن الموصوف، فلا يكاد يجيءُ ذكر الموصوف معها، كقوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)} [الانفطار: ١٣، ١٤] وقوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥)} [الحجر: ٤٥] وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: ٣٥] وقوله: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)} [البقرة: ٢٥٤] وهو كثير جدًّا في القرآن وكلام العرب وبدون ذلك لا يحسُنُ الاقتصار على الصِّفَة، فلا يحسُنُ أن تقول: "جاءَني طَويلٌ ورأيْتُ جميلًا أو قَبيحًا" وأنت تريد: "جَاءَنِي رجُلٌ طَويلٌ، وَرأيْتُ رَجُلًا جَمِيلًا أو قبيحًا" ولا تقول: "سَكَنْتُ في قَرِيبٍ" تريد: "في مكانٍ قريبٍ" مع دلالة السكنى على المكان.

الثاني: أن الشيءَ أعمُّ المعلومات، فإنه يشملُ الواجب والممكنَ، فليس في تقديره ولا في اللفظ به زيادة فائدة يكون الكلامُ بها فصيحًا بليغًا، فضلًا عن أن يكونَ بها في أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة، فأيُّ فَصَاحةٍ وبَلَاغةٍ في قول القائل في "حائِضٌ وطامِثٌ وطالِقٌ":


(١) "الكتاب": (٣/ ٣٨٣).
(٢) من قوله: "بعينه لا ... " إلى هنا سقط من (ظ).