للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"شيءٌ حائِضٌ وشيءٌ طامث وشيءٌ طالقٌ"، وهو لو صرَّح (ظ / ١٥٧ أ)، بهذا لاستهجَنَهُ السامعُ، فكيف يقدر في الكلام مع أنه لا يتضمَّنُ فائدةً أصلًا؟! إذ كونه شيئًا أمرٌ معلومٌ عامٌّ لا يدُلُّ على مَدْح ولا ذمٍّ، ولا كمال ولا نقصان.

وينبغي أن يُتَفَطَّنَ هاهنا لأمر لابُدَّ منه، وهو أنه لا يجوزُ أن يُحْمَلَ كلام الله عز وجل ويُفَسر بمجرد الاحتمال النَّحْوي الإعرابي الذي يحتملُه تركيبُ الكلام (١)، ويكونُ به الكلام له معنًى ما، فإنَّ هذا مقامٌ (٢) غَلِطَ فيه أكثرُ المعربين للقرآن، فإنهم يفسِّرون الآية ويعربونها بما يحتملُهِ تركيب تلك الجملة، ويُفْهَم من ذلك الترِكيبِ أي معنًى اتَّفَقَ، وهذا غلطٌ عظيمٌ يقطع السامعُ بأن مرادَ القرآن غيْرُهُ، وإن احتملَ ذلكَ التركيبُ هذا المعنى في سياقٍ آخر وكلام آخر، فإنه لا يلزمُ أن يحتملَهُ القرآن.

مثل قول (ق/٢١٥ أ) بعضهم في قراءة من قرأ: {وَالْأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١] بالجرِّ (٣): إنه قَسَمٌ (٤).

ومثل قول بعضهم في قوله تعالى: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ٢١٧]: إن المسجدَ مجرور بالعطف على الضمير المجرور في (به) (٥).


(١) وانظر "مجموع الفتاوى": (١٥/ ٩٤)، و"قواعد التفسير": (١/ ٢٣٥) للسبت.
(٢) (ق): "مقام عظيم".
(٣) وهي قراءة حمزة.
(٤) ذكره القُشَيري عن بعضهم وقال: "وهذا تكلُّف"، وأجاب القرطبي بأنه، لا تكلف فيه. انظر "الجامع لأحكام القرآن": (٥/ ٥).
(٥) انظر "الجامع لأحكام القرآن": (٣/ ٣١ - ٣٢)، و"البحر المحيط": (٢/ ١٥٥ - ١٥٦) لأبي حيان.