للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثلُ قول بعضهم في قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُم وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} [النساء: ١٦٢]: إن (المقيمين) مجرور بواو القسم (١).

ونظائر ذلك أضعافُ أضعافِ ما ذكرناه، وأَوْهَى بكثير، بل للقرآنِ عرفٌ خاصٌ ومَعَانٍ معهودةٌ لا يناسبُهُ تفسيره بغيرها، ولا يجوزُ تفسيره بغير عُرْفه والمعهودِ من معانيه، فإنَّ نسبةَ معانيه إلى المعاني كنسبة ألفاظه إلى الألفاظ، بل أعظم، فكما أن ألفاظَهُ ملوكُ الألفاظ وأجلُّها وأفصحُها، ولها من الفصاحة أعلى مراتبها التي تعجَزُ عنها قدر العالمين، فكذلك معانيه أجلُّ المعاني (٢) وأعظمُها وأفخمُها، فلا يجوزُ تفسيرُه بغيرها من المعاني التي لا تَلِيقُ به، بل غيرُها أعظمُ منها وأجلُّ وأفخمُ، فلا يجوز حملهُ على المعاني القاصرة، بمجرَّدِ الاحتمال النَّحْوي الإعرابي، فتدبَّرْ هذه القاعدةَ، ولْتَكُنْ منك على بال، فإنك تنتفعُ بها في معرفة ضعف كثير من أقوال المفسرين وزَيْفها، وتقطعُ أنها ليست مُرَادَ المتكلم تعالى بكلامه، وسنزيد هذا إن شاء الله بيانًا وبسطًا في الكلام على أصول التفسير، فهذا أصلٌ من أصوله بل من (٣) أهمِّ أصولِهِ.

الوجه الثالث: أن "طالِقًا وحائضًا وطامِثًا" إنما حُذِفَتْ تاؤُه لعدم الحاجة إليها، فإن التاء إنما دخلت للفرق بين المذكَّر والمؤنث في محل اللَّبْس، فإذا كانت الصِّفَة خاصَّة بالمؤنَّث فلا لَبْس، فلا حاجة إلى التاء، هذا هو الصَّوَابُ في ذلك، وهو المذهبُ الكوفيُّ.

فإن قلت: هذا خلافُ مذهب سيبويه.


(١) لم أر من ذكر هذا القول.
(٢) من قوله "وأفصحها ... " إلى هنا سقط من (ظ).
(٣) من (ع).