الجُثَثَ ليست بأحداث فتحتاجَ إلى تقييدها بما يقارنُها وإلى تأريخها بما يحدث معها، فما ليس بَحَدَث فلا معنى لتقييده بالحَدَث الذي هو الزمان.
وعلى هذا فإذا أردتَ حدوثَ الجثة ووجودها، فهو أيضًا حادثٌ، فيجوزُ أن يخبرَ عنه بالزمان إذا كان الزمانُ يَسَعُ مُدَّتَها، تقول:"نحن في المائة الثامنة"، و"كان الأَوْزاعي في المائة الثانية"، و"الإمام أحمد في المائة الثالثة"، ونحو هذا.
وعلى هذا فإذا قلت:"اللَّيْلَةَ الهِلالُ" صَحَّ، ولا حاجة بك إلى تكلُّف إضمار "الليلة طلوع الهلال"، فإن المرادَ حدوثُ هلال ذلك الشهر، فَجَرى مَجْرى الأحداث، وكذلك تقول:"الوَرْدُ في أَيَّارَ" وتقول: "الرُّطَبُ في شَهْرِ كَذَا وكَذَا" ومنه قول الشاعر (١):
ومثله قولك:"البَدْرُ لَيْلَةُ أرْبَعَ عَشْرَةَ" ولا حاجةَ إلى تكلُّف: "طلوع البدر"، بل لا يصِحُّ هذا التقدير؛ لأن السائل إذا سألك:"أَيُّ وَقْتٍ البَدْرُ" فإنه لم يسألْك عن الطُّلوع، إذ هو لا يجهلُه، وإنما يسألُك عن ذات البدر ونفسه، فقولك:"هو لَيْلَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ" تريد به، أن ليلة أربع عشرة هي ليلة كونه بدرًا لا ليلةَ طلوعه، فتأمَّلْه.
وعلى هذا فلا يسوغُ هذا الاستعمالُ حتى يكونَ الزَّمانُ يسَعُ ما قيَّدْتَهُ به من الحَدَث (ق/٢٢٢ ب) والجثة التي في معناه، فلو كان الزَّمانُ أضيقَ من ذلك لم يَجُزِ التقييدُ به؛ لأن الوقت لا يكون أقلَّ من
(١) نسبه البغدادي في "الخزانة": (١/ ٤٠٧) لقيس بن حُصين الحارثي، وهو من شواهد سيبويه: (١/ ٦٥)، وأنشده ابن الأنباري في "الإنصاف": (١/ ٦٢).