للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: "فإن قلتَ: الفعلُ أبدًا خبرٌ لا مخبَرٌ عنه، فكيف صحَّ الإخبارُ عنه في هذا الكلام؟.

قلتُ: هو من جنس الكلامِ المهجورِ فيه جانبُ اللفظ إلى جانب المعنى، وقد وجدنا العرب يميلَونَ في مواضع من كلامهم مع المعاني ميلًا بيِّنًا، من ذلك قولهم: "لا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبَ اللَّبَنَ" معناه: لا يكنْ منكَ أكلُ السمكِ وشربُ اللَبن، وإن كان ظاهرُ اللفظ على ما لا يَصحُّ من عَطْفِ الاسم على الفعل، و"الهمزة وأَمْ" مجردتان بمعنى (١) الاستواء، وقد انسلخ عنهما معنى الاستفهام رأسًا.

قال سيبويه: جرى هذا على حرف الاستفهام، كما جرى على حرف النِّداء في قولك: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا أَيَّتُها العِصَابَة يعني: أن هذا جرى على صُورة الاستفهام ولا استفهام، كما أن ذاك جرى على سورة النِّداء ولا نداء، ومعنى الاستواء: استواؤهما في علم المُستفهم عنهما؛ لأنه قد عَلِمَ أن أحد (ظ / ١٦٢ أ) الأمرين كائنٌ؛ إما الإنذارُ وإما عدمُهُ، ولكن لا بعينه، وكلاهما معلومٌ بعلم غير معيَّن.

قلت: هذا قولُه وقولُ طائفة من النحاة، وقد اعْتُرِض على ما ذكره بأنه يلزمُ القائل به أن يجيز: "سَوَاءٌ أَقُمْتَ أم قَعَدْتَ" دون أن تقول: "عَلَيَّ أو عَلَيْكَ وأنه يجيزُ: "سِيَّانِ أَذَهَبَ زَيْدٌ أمْ جَلَسَ" و"متفقان أقَامَ زَيْدٌ أم (ق/٢٢٣ أ)، قَعَدَ"، وما كان نَحْوَ هذا مما لا يجوزُ في الكلام ولا روي عن أحد؛ لأن التقدير الذي قدَّروه منطبقٌ على هذا.

وقالت طائفةٌ أخرى (٢): "سَوَاءٌ" هاهنا مبتدأ، والجملة الاستفهامية


(١) "الكشاف": "لمعنى".
(٢) انظر: "الحجة": (١/ ٢٠٠) لأبي علي الفارسي.