في موضع الخبر، وإنما قالوا هذا، وإن كان "سواء" نَكِرةً؛ لأن الجُمَل لا تكون في موضع المبتدإ أبدًا، ولا في موضع الفاعلِ، وأُوْرِد عليهم: أن الجملةَ إذا وقعتْ خبرًا فلابُدَّ فيها من ضَمير يعودُ على المبتدأ، فأين الضمير العائد على "سواء" هاهنا؟ فأجابوا عن هذا: بأنَّ "سَوَاءٌ" وإن كان مبتدأً في اللّفظِ فهو في المعنى خبرٌ؛ لأن المعنى:"سَوَاءٌ عَلَيْهم الإنْذَار وتركُهُ"، قالوا: ولا يلزمُ أن يعودَ من المبتدأ ضميرٌ على الخبر، فلما كان "سواءٌ" خبرًا في المعنى دون اللفظ رُوْعي المعنى.
ونظير هذا قولهم:"ضَرْبي زَيْدًا قائِمًا"، فإنه لم يعُدْ على "ضربي" ضميرٌ من الحال التي سدَّت مَسَدَّ الخبر؛ لأنّ معناه:"أَضْرِبُ زَيْدًا أو ضَرَبْتُ زَيْدًا" والفعلُ لا يعودُ عليه ضميرٌ، فكذلك ما هو في معناه وقوَّته.
ونظيره أيضًا:"أقائم أَخُوكَ"؛ لأن:"أخوك" وإن سدَّ مسَدَّ الخبر، فإنه فاعلٌ في المعنى، و"قائِمٌ" معناه معنى الفعل الرافع للفاعل (١)، فرُوْعيت هذه المعانى في هذه المواضع وهُجِر فيه جانب اللفظ إلى جانب المعنى، وبقي حكم الابتداء مقتضيًا للرَّفع لفظًا، والمبتدأ متضمِّنٌ لمعنى يخالف معنى الابتداء، فحُكم لذلك المعنى فلم يعُدْ على اللفظ ضمير، وحُكِم للفظ المبتدأ بحكم الابتداء فارتفع.
فهذا قول هذه الطائفة الأخرى، واعترض عليه -بعد الاعتراف بحُسْنه وقوَّته-: بأن العرب لم تَنْطِقْ بمثل هذا في "سواء" حتى قَرَنَتْهُ بالضمير المجرور بـ "على" نحو: "سَوَاءٌ علَيْهم وسَوَاءٌ عليكم وسواء