للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيَّ" فإن طَرَدوا ما أصَّلوه في "سَوَاء"، سواء (١) قُرِن بـ "على" أم لم يُقْرَن فليس كذلك، وإن خصُّوه بالمقرون بـ "على" فلم يُبَيِّنُوا سِرَّ اختصاصه بذلك.

وقالت طائفةٌ ثالثةٌ -منهم السُّهَيْليُّ (٢) وهذا لفظُه-: "لما كانتِ العربُ لا تقول: "سِيَّانِ أَقُمْتَ أمْ قَعَدْتَ" ولا: "مِثْلانِ" ولا "شِبْهَان"، ولا يقولون ذلك إلا في "سواء" مع المجرور بـ"عَلَى" وجبَ البحثُ عن السِّرِّ في ذلك وعن مقصد القوم في هذا الكلام، وعن المُساواة بَيْنَ أيِّ شيءٍ هي؟ وفي أيِّ الصِّفات هي من الاسمين الموصوفين بالتَّساوي؟ فوجدنا معنى الكلام ومقصودَهُ إنما هو تَسَاوٍ في عدم المبالاة بقيامٍ أو قعود إو إنذار أو ترك إنذار، ولو أرادوا المساواةَ في صِفَة موجودةً في الذات لقالوا: "سَوَاءٌ الإقَامَة والشُّخُوصُ" كما يقولون: "سَوَاءٌ زَيْدٌ وعَمْرٌو"، و"سِيَّانِ" و"مِثْلانِ" يعني (ق/٢٢٣ ب) استهواءَهما في صفة لذاتهما، فإذا أردتَ أن تسوِّيَ بين أمرين في عدم المبالاة وترك الالتفات لهما، وأنهما قد هانا عليك، وخفَّا عليك (٣)، قلت: "سَوَاءٌ عَلَيَّ أَفَعَلَ أمْ لم يَفْعَلْ"، كما تقول: "لا أُبَالِي أَفَعَلَ أمْ لم يَفْعَلْ"؛ لأن المبالاة فعل من أفعال القلب، وأفعال القلب تُلْغَى إذا وقعتْ بعدها الجملُ المستفْهَم عنها أو المؤكَّدة باللام، تقول: "لا أَدْرِي أَقَامَ زَيْدٌ أمْ قَعَد"، و"قَدْ عَلِمْتُ لَيَقُومَنَّ زيْدٌ"، ولكن لا تُلْغى هذه الأفعال القلبية حتى يُذْكَر فاعلها في اللفظ أو في المعنى، فتكون حينئذٍ في موضع المفعول بالعلم.


(١) من (ظ).
(٢) في "نتائج الفكر" كما تقدم.
(٣) "وخفا عليك" سقطت من (ق).