للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و"لا ينتفعُ القوم إنْ أنذرتَهم أم لم تُنْذِرْهم" فلذلك جاءَ بلفظ الماضي.

وقد قال الفارسيُّ قولًا غير هذا (١)؛ ولكنه قريبٌ منه في اللَّفظ، قال: إن ألف الاستفهام تضارعُ "إن" التي للجزاء؛ لأن الاستفهامَ غيرُ واجب، كما أن الشرط ليس بحاصل إذا عُدِمَ المشروطُ، وهذه العبارة فاسدةٌ من وجوه يطولُ ذكرها، ولو رأى المعنى الذي قدمناه لكان أشبَهَ.

على أنه عندي مدخول أيضًا؛ لأن معنى الشرط يطلب الاستقبال خاصَّة دونَ الحال والماضي، وقوله: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهمْ}، و {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} لا تختصُّ بالاستقبال، بل المساواة في عدم المبالاة موجودةٌ في كلِّ حال، بل هي أظهرُ في فعل الحال، ولا يقعُ بعد حرف الشرط فعل حالٍ بوجه.

والتحقيقُ في الجواب أن نقولَ: قد أَصَّلنا في "نتائج الفكر" (٢) أصلًا، وهو أن الفعل لم يُشْتَقَّ من المصدر مضافًا إلا ليدُلَّ على كون الاسم مخبَرًا عنه -أعني الفاعل الذي كان المصدرُ مضافًا إليه- ولم (٣) تختلف أبنيتُه بعدما اشتقَّ عن المصدر إلا لاختلاف أحوال الحَدَث عن مُضِيٍّ أو استقبال، فإن كان قصدُ المتكلِّم أن لا يُقَيِّدُ الحَدَثَ بزمان دونَ زمان، ولا بحالِ استقبال دونَ حالِ مُضِي فليجعلُه (٤) مطلقًا بلفظ الماضي الذي لا زوائدَ فيه، ليكونَ أخَفَّ على اللسان وأقربَ إلى لفظ الحَدَث المشتقِّ منه، ألا ترى أنهم يقولون: "لا أَفْعَلُهُ ما لاحَ بَرْقٌ وما طَارَ طَائِرٌ"، بلفظ الماضي خاصَّة لما أرادوا مدَّةً مطلقة غيرَ


(١) انظر "الحجة": (١/ ٢٠٢ - ٢٠٣) للفارسي.
(٢) انظر المسألة رقم (١٠) في "النتائج": (ص/ ٦٦).
(٣) في الأصول: "لم" بدون الواو، والمثبت عن "النتائج".
(٤) في الأصول: "بل يجعله" والمثبت من "النتائج".