للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقيَّدة، وأنه لا يفعل هذا الشيء في مدة لوْح البرق وطيران الطائر ونحو ذلك، فلم يجاوزوا لفظَ الماضي؛ لأنهم لا يريدون استقبالًا ولا حالًا على الخُصوص.

فإن قلت: ولا يُريدونَ أيضًا ماضيًا، فكيف جاء بلفظ الماضي؟.

قلنا: قد قرن معه: لا أُكَلِّمُهُ ولا أفعلُه، فدلَّ على أن قوله: "ما لاحَ بَرْقٌ" لا يريدُ به لَوْحًا قد انقضى وانقطع، إنما يريدُ مقارنة الفعل المنفي (ق/٢٢٥ أ) للفعل الآخر في المدَّة على الإطلاق والدوام، فليس في قوله: "ما لاحَ بَرْقٌ" إلا معنى اللَّوْح خاصَّة، غير أنه تُرك لفظ المصدر ليكون البرقُ مخبرًا عنه كما تقدم، فمتى أردت هذا ولم تُرِدْ تقييدًا بزمان فلفظ الماضي أحقُّ (١) وأولى.

وكذلك قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: ٦] أضاف الإنذار إلى المخاطب المخبر عنه به، فاشتقَّ من الإنذار الفعل ليدلَّ على أن المخاطَب فاعلُ الإنذار، وترك الفعل بلفظ الماضي؛ لأنه مطلقٌ في الزمان كُلِّه، وأن القومَ لم يُبالوا بهذا ولا يبالون ولا هم في حال مبالاة، فلم يكن لإدخال الزوائد الأربع معنى، إذ ليس المرادُ تقييدَ الفعل بوقت ولا تخصيصَه بحال.

فإن قلت: لفظ الماضي يخصِّصُه بالانقطاع.

قطنا: "حَدِّثْ حديثينِ امرأةً" (٢)، وفيما قدمناه ما يغني عن الجواب مع ما في قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} من ثبوت هذه الصِّفة فيهم وحصولها في الحال وفي المال، فلا تقول: "سَوَاءٌ ثَوْبَاكَ أو غُلامَاكَ"،


(١) (ق) و"النتائج": "أخف".
(٢) انظر "مجمع الأمثال": (١/ ١٩٢).