ثم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وردت ألفاظ رشيقة عن الأئمة من الصحابة فمن بعدهم من التابعين فيها اختصار في الألفاظ وشمول في المعاني والأحكام، ومن ذلك قول الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "مقاطع الحقوق عند الشروط" -ذكره البخاري تعليقًا وبإسناد جيد رواه عبد الرزاق وغيره- وقوله أيضًا:"هذه على ما نقضى، وتلك على ما قضينا"- رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة بإسناد لا بأس به.
فهذه عبارات مختصرة أصبحت قاعدة فقهية يهتدي بها الأئمة والعلماء والفقهاء من بعد.
ثم بعد عصور الصحابة والتابعين وبعد أن جاء عصر التدوين نجد أن الواحد من العلماء يعلل الأحكام الفقهية التي يطلقها بعلل تجمع أحكامًا فقهية من أبواب شتى، فأخذ من تلك التعليلات قواعد فقهية.
يقول العلامة ابن القيم:"وإذا كان أرباب المذاهب يضبطون مذاهبهم ويحصرونها بجوامع تحيط بما يحل ويحرم عندهم مع قصور بيانهم، فالله ورسوله المبعوث بجوامع الكلم أقدر على ذلك، فإنه يأتي بالكلمة الجامعة، وهي قاعدة عامة، وقضية كلية تجمع أنواعًا وأفرادًا".
ومن النماذج المأثورة لتلك القواعد في عصر التابعين وقبل أن تتكون المذاهب الفقهية المشهورة ما نقك إلينا من بعض أقوال الإمام القاضي شُريح بن الحارث الكندى (ت ٧٦ هـ) كقوله: "من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه" وهو في معنى قول عمر المذكور آنفًا.
وقوله:"من ضمن مالًا فله ربحه" وهو في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الخراج بالضمان".