الْعِفَاسُ وَبَرْوَعُ: نَاقَتَانِ. وَهَذَا مُنْقَاسٌ مِنَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَآخِيرِ الشَّيْءِ وَمُعْظَمِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: التَّعَجُّسُ: التَّأَخُّرُ. قَالُوا: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اشْتِقَاقُ الْعَجَاسَاءِ مِنَ الْإِبِلِ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسْتَأْخِرُ عَنِ الْإِبِلِ فِي الْمَرْتَعِ. قَالُوا: وَالْعَجَاسَاءُ مِنَ السَّحَابِ: عِظَامُهَا. وَتَقُولُ: تَعَجَّسَنِي عَنْكَ كَذَا، أَيْ أَخَّرَنِي عَنْكَ. وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ الَّذِي قِسْنَاهُ.
وَقَالَ الدُّرَيْدِيُّ: تَعَجَّسْتَ الرَّجُلَ، إِذَا أَمَرَ أَمْرًا فَغَيَّرْتَهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مِنَ التَّعَقُّبِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَوَّلِ وَإِتْيَانِ الْآخَرِ عَلَى سَاقَتِهِ وَعِنْدَ عَجُزِهِ. وَذَكَرُوا أَنَّ الْعَجِيسَاءَ: مِشْيَةٌ بَطِيئَةٌ. وَهُوَ مِنَ الْبَابِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قِيَاسِنَا فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَعَجَاسَائِهِ قَوْلُ الْخَلِيلِ: الْعَجَسْ: آخِرُ اللَّيْلِ. وَأَنْشَدَ:
وَأَصْحَابِ صِدْقٍ قَدْ بَعَثْتُ بِجَوْشَنٍ ... مِنَ اللَّيْلِ لَوْلَا حُبُّ ظَمْيَاءَ عَرَّسُوا
فَقَامُوا يَجُرُّونَ الثِّيَابَ وَخَلْفَهُمْ ... مِنَ اللَّيْلِ عَجْسٌ كَالنَّعَامَةِ أَقْعَسُ
وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: أَنَّ الْعُجْسَةَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي اللَّيْلِ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: " وَلَا آتِيكَ سَجِيسَ عُجَيْسٍ " فَمِنْ هَذَا أَيْضًا، أَيْ لَا آتِيكَ آخِرَ الدَّهْرِ. وَحُجَّةُ هَذَا قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
سَقَى أُمَّ عَمْرٍو كُلَّ آخِرِ ... لَيْلَةٍ حَنَاتِمُ مُزْنٍ مَاؤُهُنَّ ثَجِيجُ
لَمْ يُرِدْ أَوَاخِرَ اللَّيَالِي دُونَ أَوَائِلِهَا، لَكِنَّهُ أَرَادَ أَبَدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute