ثُمَّ حُمِلَ عَلَى هَذَا شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ أَبْسَقَتِ الشَّاةُ فَهِيَ مُبْسِقٌ: إِذَا أَنْزَلَتْ لَبَنًا مِنْ قَبْلِ الْوِلَادَةِ بِشَهْرٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُحْلَبُ. وَهَذَا إِذَا صَحَّ فَكَأَنَّهَا جَاءَتْ بِبُسَاقٍ، تَشْبِيهًا لَهُ بِبُسَاقِ الْإِنْسَانِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْجَارِيَةُ وَهِيَ بِكْرٌ يَصِيرُ فِي ثَدْيِهَا لَبَنٌ، فَهَلْ ذَلِكَ إِلَّا كَالْبُسَاقِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمِبْسَاقُ الَّتِي تَدِرُّ قَبْلَ نِتَاجِهَا. وَأَنْشَدَ - وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّ هَذَا شِعْرٌ صَنَعَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ -:
وَمُبْسِقٌ تُحْلَبُ نِصْفَ الْحَمْلِ ... تَدُرُّ مِنْ قَبْلِ نِتَاجِ السَّخْلِ
(بَسَلَ) الْبَاءُ وَالسِّينُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ تَتَقَارَبُ فُرُوعُهُ، وَهُوَ الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ لِلْحَرَامِ: بَسْلٌ. وَكُلُّ شَيْءٍ امْتَنَعَ. فَهُوَ بَسْلٌ. قَالَ زُهَيْرٌ:
فَإِنْ تُقْوِيَا مِنْهُمْ فَإِنَّهُمُ بَسْلُ
وَالْبَسَالَةُ الشَّجَاعَةُ مِنْ هَذَا; لِأَنَّهَا الِامْتِنَاعُ عَلَى الْقِرْنِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ: أَبْسَلْتُ الشَّيْءَ أَسْلَمْتُهُ لِلْهَلَكَةِ. وَمِنْهُ أَبْسَلْتُ وَلَدِي رَهَنْتُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} [الأنعام: ٧٠] . ثُمَّ قَالَ عَوْفُ بْنُ الْأَحْوَصِ:
وَإِبْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... بَعَوْنَاهُ وَلَا بِدَمٍ مُرَاقٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute