للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» "، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا إِذَا أَصَابَتْهُمُ الْمَصَائِبُ قَالُوا: أَبَادَنَا الدَّهْرُ، وَأَتَى عَلَيْنَا الدَّهْرُ. وَقَدْ ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهِمْ. قَالَ عَمْرٌو الضُّبَعِيُّ:

رَمَتْنِي بَنَاتُ الدَّهْرِ مِنْ حَيْثُ لَا أَرَى ... فَكَيْفَ بِمَنْ يُرْمَى وَلَيْسَ بِرَامِ

فَلَوْ أَنَّنِي أُرْمَى بِنَبْلٍ تَقَيْتُهَا ... وَلَكِنَّنِي أُرْمَى بِغَيْرِ سِهَامِ

وَقَالَ آخَرُ:

فَاسْتَأْثَرَ الدَّهْرُ الْغَدَاةَ بِهِمْ ... وَالدَّهْرُ يَرْمِينِي وَمَا أَرْمِي

يَا دَهْرُ قَدْ أَكْثَرْتَ فَجْعَتَنَا ... بِسَرَاتِنَا وَوَقَرْتَ فِي الْعَظْمِ

وَسَلَبْتَنَا مَا لَسْتَ تُعْقِبُنَا ... يَا دَهْرُ مَا أَنْصَفْتَ فِي الْحُكْمِ

فَأَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ هُوَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَأَنَّ الدَّهْرَ لَا فِعْلَ لَهُ، وَأَنَّ مَنْ سَبَّ فَاعِلَ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قَدْ سَبَّ رَبَّهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

وَقَدْ يَحْتَمِلُ قِيَاسًا أَنْ يَكُونَ الدَّهْرُ اسْمًا مَأْخُوذًا مِنَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْغَلَبَةُ، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ صَوْمٌ وَفِطْرٌ، فَمَعْنَى لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، أَيِ الْغَالِبَ الَّذِي يَقْهَرُكُمْ وَيَغْلِبُكُمْ عَلَى أُمُورِكُمْ.

وَيُقَالُ دَهْرٌ دَهِيرٌ، كَمَا يُقَالُ أَبَدٌ أَبِيدٌ. وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ: دَهَرَهُمْ أَمْرٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>