وفي هذه الآية ذكر البعث بعد موت وقع في الدنيا.
مثل قوله تعالى: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ).
ومثل قوله عزَّ وجلَّ: (فَقَالَ لَهُم اللَّهُ مُوتوا ثم أحْيَأهُمْ)
وذلك احتجاج على مشركي العرب الذين لمْ يكُونوا مُوقنين بالبعث، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأخبار عمن بعث بعد
الموت في الدنيَا مما توافقه عليه إليهود والنصارى، وأرباب الكتب فاحتج
- صلى الله عليه وسلم - بحجة اللَّه التي يوافقه عليها جميع من خالفه من أهلِ الكتب.
وقوله (لعَلَّكُمْ تشْكُرُون) أي في أن بَعَثَكُم بعد الموت، وأعلمكم أن
قدرته عليكم هذه القدرة، وأن الِإقالة بعد الموت لا شيءَ بَعدها، وهي
كالمُضْطَرةِ إلى عبادة اللَّه.
وقوله: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)
سخر اللَّه لهم السحاب يظللهم حين خرجوا إلى الأرض المقدسة.
وأنزل عليهم المَنّ والسلوى. وجملة المَن ما يمن اللَّه به مما لا تعب فيه ولا
نَصَبَ وأهل التفسير يقولون إن المنَّ شيء يسقط على الشجر حلو يشرب.
ويقال إنَّه " التَرَنْجِين "،، ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: الكمأة من المَنِّ وماؤها شفاء للعين، ومعنى المنّ على ما وَصفنا في اللغة ما يمن اللَّه به من غير تعب ولا نصب، والسلوى طائر كالسمَاني، وذكر إنَّه كان يأتيهم من هذين ما فيه كفايتُهم.