وتأويل تفضيلهم في هذه الآية ما أوتوا من الملك وأن فيهم أنبياءَ
وأنهم أُعطوا علم التوراة، وأن أمر عيسى ومحمد - صلى الله عليهما وسلم - لم يكونوا يحتاجون فيه إلى آية غير ما سبق عندهم من العلم به، فذكرهم اللَّه عزَّ وجلَّ ما همْ عارفون، ووعظهم فقال:
* * *
(وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣)
العدل الفدية، وقيل لهم: (ولا تنفعها شفاعة)، لأنهم كانوا يعتمدون على
أنهم أبناءُ أنبياءِ اللَّه، وأنهم يَشْفَعُون لهم، فأيئسَهم اللَّه عزَّ وجلَّ من ذلك.
وأعلمهم أن من لم يتبع محمداً - صلى الله عليه وسلم - فلَيْسَ يُنْجِيه منْ عذاب اللَّه شيءٌ وهو كافر.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)
المعنى اذكروا إِذ اابتلى إبراهيم ربه، ومعنى (فاتمهن) وفَّى بما أمر به
فيهن، وقد اختلفوا في الكلمات: فقال قوم تفسيرها أنه أمره بخمس خلال في الرأس، وخمس خلال في البدَن، فأمَّا اللاتِي في الرأس فالفرْق وقَص
الشَارِبِ والسواكُ، والمضْمضَةُ، والاستنشاق، وأمَّا التي في البدن فالختان
وحلق العانة والاستنجاءُ وتقليم الأظافر ونتف الإبط.
فهذا مذهب قوم وعليه كثير من أهل التفسير.
وقال قوم: أن الذي ابتلاه به " ما أمره به من ذبح ولده.
وما كان من طرحه في النار، وأمر النجوم التى جرى ذكرها في القرآن في قوله عزَّ وجلَّ: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا) وما جرى بعد الكواكب من ذكر القمر والشمس، فهذا مذهب قوم.