(وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (٢٤).
فالمعنى كل هُؤلاءِ أهل أن يُعصَى.
فاعصِ هذا، واعصِ هذا
و" أو " بليغة في هذا المعنى، لأنك إِذا قلت: لا تطع زيداً وعمراً فجائز أن تكون نهيتني عن طاعتهما معاً في حال إِن أطَعتُ
زيداً على حِدَتِه لم أكُنْ عَصيتُكَ، وإذا قلتَ: لا تطعْ زيداً أو عمراً أوخالداً، فالمعنى أن هُؤلاءِ كلهم أهل ألا يُطاعَ فلا تطع واحداً منهم ولا تطع الجماعة.
ومثله جالس الحسن أو ابن سِيرين أو الشَعبي، فليس المعنى أني آمرك
بمجالسة وَاحد منهم، ولكن مَعْنَى " أوْ " الِإباحة.
المعنى كُلهم أهل أن يُجَالَس، فإِن جالست واحداً منهم فأنت مصيب وإِن جالست الجماعة فأنت مصيب.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨)
زعم سيبويه أن العَطْفَ بالظاهر على المضمر المرفوع قبيح، يستقبح
قمت وزيدٌ، وقام وزيدٌ، فإن جاءَت " لَا " حَسُنَ الكلامُ فقلت: لا قمتُ ولَا زيد، كما أَنَه إذا أَكد فقال قمت أَنت وزيد حَسُن، وهو جائز في الشعر.
فأما معنى الآية فإن اللَّه جل ثناؤُه أخبر عنهم بما سَيَقولُونَه، وقولهم:
(لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) جَعَلُوا هَذَا القَوْلَ حُجةَ فِي إِقامَتهمْ عَلى شِركِهِِم فأعلم اللَّه عزَّ وجلَّ أنَّ (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا).
والحُجَّةُ عَليهم في هذا أنهُم إِذا اعْتَقَدُوا أن كُل مَنْ كان على شيءٍ.
والأشياءً تجري بمشيئة الله تعالى - فهو على صَوابٍ فلاَ مَعنى إِذن - على
قولهم - للرسَالةِ والأنبياءِ، فيقال لهم: فالذين على دين يخالفكم، أليس هو
على ما شاءَ اللَّه، فينبغي ألا تَقُولوا إِنهمْ ضالُّونَ، وهو عزَّ وجلَّ يَفْعَلُ مَا يَشاء،