للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقرأ (حُمِّلْنَا أَوْزَارًا)، بتشديد الميم وكسرها، يعنون بالأوزار حُلِيًا كانوا

أخذوها من آل فرعون حينَ قذفهم البحرُ فألْقَاهُمْ عَلَى سَاحِلهِ، فأخذوا الذهب والفضة، وسميت أوزاراً لأن معناهأ الأثام، وجائز أن يكون سُمِّيَتْ أوزَاراً يعنون بها أثْقَالًا، لأن الوِزْرَ في اللغة الحِمْلُ، وسُمِّيَ الإثمُ وِزْراً لأن صاحبه قد حُمِّلَ بها ثقلاً، قال اللَّه تعالى: (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣).

فقالوا: حملنا حُلِيًّا فقذفناها في النار، وكذلك فعل السامِريُّ، أي ألقى حلْيًّا

كان معه (١).

(فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ

[(٨٨)]

واختلف في تفسير خوارِه، فقيل إنه كان يَخُورُ كما يَخورُ الثورُ من

الحيوان، فإذا خار سجدوا له، وإذا عاد الخوارُ رَفَعُوا من السجود، وقال

بعضهم: إنما خَارَ خَوْرَةً واحدةً، وَدَلِيله: (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا).

وقال مجاهد: خُوارُه حَفِيفُ الريح إذَا دَخَلَتْ جَوْفَهُ.

وُيرْوى أن هارون عليه السلام مَر بالسَّامِرِيِّ وهو يصنع العجل

فقال له: ما تصنع؟

قال أصنع ما لا ينفع ولا يَضُر، وقال: أدْعُ، فقال هارون اللَّهُمَّ أعْطِه ما يَسألُ كما يُحِبُّ.

فسأل اللَّه عزَّ وجلَّ أن يجعل للعِجْل خُواراً، والذي قاله مجاهِد من أن خُوارَهُ

حفيفُ الريح فيه، أسرع إلى القبول لأنه شيء ممكن.

والتفسير الآخر وهو أنه خوار ممكن في محنة اللَّه عزَّ وجلَّ - أن امْتَحَنَ القَوْمَ بذلك، وليس في خُوارِ صُفْرٍ ما يوجب عبادته لأنهم قد رأوه معمولاً مصنوعاً، فعبادتهم إياه لو خارَ وتكلَّم كما يتكلَّم الآدمي لم تجب به عبادته.

فقالوا: (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ).

قيل إن السَّامِرِيَّ نسيَ ما كان عليه من الإيمان، لأنه نافق لما عبر


(١) قال السَّمين:
قوله: {بِمَلْكِنَا}: قرأ الأخَوان بضم الميم. ونافع وعاصم بفتحها، والباقون بكسرها: فقيل: لغاتٌ بمعنى واحدٍ كالنَّقْض والنِّقْضِ. ومعناها: القُدْرَةُ والتسلُّطُ. وفرَّق الفارسيُّ وغيرُه بينها فقال: «المضمومُ معناه: لم يكنْ [لنا] مُلْكٌ فَنُخْلِفَ موعدَك بسُلْطَانِه، وإنما فَعَلْناه بنظرٍ واجتهادٍ، فالمعنى على: أَنْ ليس لهم مُلْكٌ.
كقول ذي الرمة:
٣٣١٣ لا تُشْتكى سَقْطَةٌ منها وقد رَقَصَتْ. . . بها المفاوِزُ حتى ظهرُها حَدِبُ
أي: لا يقع منها سَقْطَةٌ فتشتكى». وفتحُ الميمِ مصدرٌ مِنْ مَلَكَ أمرَه. والمعنى: ما فعلناه بأنَّا مَلَكْنا الصوابَ، بل غَلَبَتْنا أنفسُنا. وكسرُ الميمِ كَثُر فيما تَحُوْزه اليدُ وتحويه، ولكنه يُسْتعمل في الأمورِ التي يُبْرِمُها الإِنسانُ ومعناها كمعنى التي قبلها. والمصدرُ في هذين الوجهين مضافٌ لفاعلِه، والمفعولُ محذوفٌ أي: بملكِنا الصوابَ.
قوله: {حُمِّلْنَآ} قرأ نافعٌ وابنُ كثير وابنُ عامر وحفصٌ بضم الحاء وكسر الميم مشددة. وأبو جعفرٍ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف الميم، والباقون بفتحِهما خفيفةَ الميمِ. فالقراءةُ الأولى والثانية نَسَبوا فيهما الفعلَ إلى غيرِهم، وفي الثالثةِ نَسَبُوه إلى أنفسهم.
و {أَوْزَاراً} مفعولٌ ثانٍ على غيرِ القراءة الثالثة. و {مِّن زِينَةِ} يجوز أَنْ يكونَ متعلقاً ب «حُمِّلْنا»، وأن يكونَ متعلِّقاً بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل «أَوْزار».
اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>