للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَشَيْنَ كما اهتزَّتِ رماحٌ تسفَّهَتْ. . . أَعَالِيَها مَرُّ الرِّياحِ النَّواسِم

كأنَّه قال تسفهتها الرياح، لما كانت - الرياح لا تكون إلا بالمرور.

وجاء في التفسير " أعْنَاقُهم " يُعنى به كبراؤهم ورؤساؤهم، وجاء في اللُّغَةِ أَعْنَاقُهُمْ جَمَاعَاتهم، يقال: جاء لي عُنقٌ من الناس أَيْ جَمَاعَة وذكر بَعْضُهُمْ وجهاً آخَر، قالوا: فظلًتْ أَعْنَاقُهُم لَهَا خَاضِعِينَ هُمْ، وأضَمَرُهم.

وَأَنْشَدَ

ترى أَرْباقَهم مُتَقَلِّديها كما. . . صَدِئ الحَدِيدُ عن الكُماةِ

وهذا لا يجوز في القرآن، وهو على بَدلِ الغَلَطِ يجوز في الشِعْرِ، كأنه

قال: يرى أرباقهم يرى متقلِّديها، كأنَّه قال: يرى قوماً متقلدين أَربَاقَهُم فلو

كان على حذف هم لكان مما يجوز في الشعر أَيضاً (١).

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (٦)

أنباء: أخبار.

المعنى فَسَيعلمون نبأ ذلك في القِيامَةِ.

وجائز أن يعجل لهم بعض ذلك في الدنيا نحو ما نالهم يَوم بَدْرٍ.

* * *

وقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧)

معنى زوج نوع، ومعنى كريم محمود فيما يحتاج إليه، كمعنى من كل

زوج نافع لا يقدر على إنبانه وإنشائه إلا ربُّ العَالَمِين.

ثم قال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨)


(١) قال السَّمين:
قوله: {خَاضِعِينَ} فيه وجهان، أحدُهما: أنه خبرٌ عن «أعناقُهم». واستُشْكِلَ جمعُه جمعَ سلامةٍ لأنه مختصٌّ بالعقلاءِ. وأُجيب عنه بأوجهٍ، أحدُها: أنَّ المرادَ بالأعناق الرؤساءُ، كما قِيل: لهم وجوهٌ وصدورٌ قال:
٣٥٠٥. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . في مَجْمَعٍ مِنْ نواصِي الخيلِ مَشْهودِ
الثاني: أنه على حذفِ مضافٍ أي: فظلَّ أصحابُ الأعناقِ، ثم حُذِفَ وبقي الخبرُ على ما كان عليه قبل حَذْفِ المُخْبَرِ عنه مراعاةً للمحذوفِ. وقد تقدَّم ذلك قريباً عند قراءةِ {وَقُمْراً مُّنِيراً} [الفرقان: ٦١]. الثالث: أنه لَمَّا أُضيفَتْ إلى العقلاءِ اكتسَبَ منهم هذا الحكمَ، كما يُكتسب التأنيثُ بالإِضافةِ لمؤنث في قولِه:
٣٥٠٦. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . كما شَرِقَتْ صَدْرُ القناةِ من الدمِ
الرابع: أنَّ الأعناقَ جمعُ عُنُق من الناس، وهم الجماعةُ، فليس المرادُ الجارحةَ ألبتَّةَ. ومن قولُه:
٣٥٠٧ أنَّ العراقَ وأهلَه. . . عُنُقٌ إليك فَهَيْتَ هَيْتا
قلت: وهذا قريبٌ مِنْ معنى الأولِ. إلاَّ أنَّ هذا القائلَ يُطْلِقُ الأعناقَ على جماعةِ الناسِ مطلقاً، رؤساءَ كانوا أو غيرَهم. الخامس: قال الزمخشري: «أصلُ الكلامِ: فظلًُّوا لها خاضعين، فَأُقْحِمَتِ الأعناقُ لبيانِ موضع الخضوع، وتُرِكَ الكلامُ على أصله، كقولهم: ذهبَتْ أهلُ اليمامة، فكأن الأهلَ غيرُ مذكور». قلت: وفي التنظير بقولِه: ذهبَتْ أهلُ اليمامةِ «نظرٌ؛ لأنَّ» أهل «ليس مقحماً ألبتَّةَ؛ لأنه المقصودُ بالحكم وأمَّا التأنيثُ فلاكتسابِه التأنيثَ. السادس: أنها عُوْمِلَتْ معاملةَ العقلاءِ لَمَّا أُسْند إليهم ما يكونُ فِعْلَ العقلاءِ كقوله {ساجِدِين} و {طائِعِين} في يوسف والسجدة.
والثاني: أنه منصوبٌ على الحالِ من الضميرِ في» أعناقُهم «قاله الكسائي، وضَعَّفه أبو البقاء قال:» لأنِّ «خاضعين» يكون جارياً على غيرِ فاعلِ «ظَلَّتْ» فيَفْتَقِرُ إلى إبرازِ ضميرِ الفاعل، فكان يجبُ أَنْ يكونَ «خاضعين هم». قلت: ولم يَجْرِ «خاضعين» في اللفظِ والمعنى إلاَّ على مَنْ هو له، وهو الضمير في «أعناقُهم»، والمسألة التي قالها: هي أَْن يجريَ الوصفُ على غير مَنْ هو له في اللفظِ دونَ المعنى، فكيف يلزمُ ما ألْزَمه به؟ على أنه لو كان كذلك لم يَلْزَمْ ما قاله؛ لأنَّ الكسائيَّ والكوفيين لا يُوْجِبون إبرازَ الضميرِ في هذه المسألةِ إذا أُمِنَ اللَّبْسُ، فهو يَلْتَزِمُ ما ألزمه به، ولو ضَعَّفه بمجيءِ الحالِ من المضاف إليه لكان أقربَ. على أنه لا يَضْعُفُ لأنَّ المضافَ جزءٌ من المضافِ إليه كقولِه: {مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً} [الحجر: ٤٧].
اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>