المعنى: لا يحب الله الجهر بالسوءِ من القول لكن المظلوم يظهر
بظلامته تشكياً، ولكن الظالم يجهر بذلك ظلماً.
ويجوز أن يكون موضع " مَنْ " رفعاً على معنى لا يحب اللَّه أن يجهر بالسوءِ من القول إِلَّا من ظلم فيكون
" من " بَدلًا من معنى أحدٍ، المعنى: لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوءِ من
القول إلا المظلوم.
وفيها وجه آخر لا أعلم النحويين ذكروه، وهو أن يكونَ " إِلا مُنْ ظَلَمَ "
على معنى لكن الظالم اجهروا له بالسوء من القول، وهذا بَعْدُ استثناء ليس من الأول. وهو وجه حَسَنٌ، وموضعه نَصْبٌ.
وقد روي أن هذا ورد في الضيف إِذا أُسِيءَ إِليه، فله أن يشكو لك.
وحقيقته ما قلناه. واللَّه أعلم.
* * *
وقوله: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣)
وهذا حين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ).
أي فقد سألوا موسى بعد أن جاءَهم بالآيات، فقالوا: (أرنَا الله جَهْرَةً).
وقال أهل اللغة في (جَهْرَةً) قولين: قال أبو عبيدة: قالوا جهرةً أرنَا
اللَّه، لأنهم إِذا رأوا الله فالسر جهرة، فإِنما جَهْرةٌ صفة لقولهم.
وقال بعضهم (أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً)، إِنما معناه أرنا رؤْيةً بينةً منكشفةً ظاهرة لأن
من علِم الله عزَّ وجلَّ فقد زَادَ عِلْماً، ولكن سألوه رؤْية يُدْرِكونها بأبصَارِهم.