والملائكة - واللَّه أعلم - أكرم من النبيين، ألا ترى أن نُوحاً عليه السلام
قال: (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ)، فقال عزَّ وجلَّ: (لن يستنكف المسيح) من العبودةِ للَّهِ.
ومعنى يستنكف أي لن يأْنف، وأصله في اللغة من نَكَفْتُ الدَّمْعَ إِذا
نحيته بإِصبعك من خدك.
قال الشاعر:
فبانوا فلولا ما تذكر منهم. . . من الخُلفِ لم يُنْكَفْ لعَينيكَ مَدمعُ
فتأويل لَنْ يستنكف لن ينقبض، ولن يمتنع من عبودَةِ اللَّه.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١٧٤)
(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا).
يُعنَى به - واللَّه أعلم - القرآن، لأن النور هو الذي يُبَينُ الأشياءَ حتى
تُرَى. وَمثَّلَ اللَّه عزَّ وجلَّ ما يَعْلم بالقلب عِلْماً واضِحاً لما يرى بالعَيْن رُؤْيَة
منكشفة بَينَة.
والكلَالَةَ قد بَيَّناها أول السورة.
وقوله: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)
(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ).
جاز مع " إن " تقديم الاسم قبل الفعل، لأن " إِنْ " لا تعمل في الماضي.
ولأنها أُمُّ الجزاءِ. والنحويون يذهبون إِلى أن مَعَها فعلاً مضمراً، الذي ظهر
يفسره، والمعنى إِن هلك امرؤ هلك.
وقوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا).
قيل فيها قولان، قال بعضُهم: المعنى يبين اللَّه لكم أن لَا تضلوا