واتخذوا هذا المسجدَ مُضارة وكفْراً، لأن عِنَادَ النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر وأطلَعَ اللَّهُ نبيه - صلى الله عليه وسلم - على طَويتهمْ، وعلى أنهم سيحلفون كاذبين، فقال جلَّ وعزَّ:
(وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).
وكانوا دعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصَلِّيَ فيه فأنزل اللَّه جل ثناؤه: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)
ْثم بين الله عزَّ وجلَّ: أي المسجدين أحق بالقيام فيه فقال:
(لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ).
يعني به مسجد قُبَاءَ.
(أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ).
" وَأنْ " في موضع نصبٍ، المعنى: لمسجد أسس على التقوى أحقُّ بأن
نقوم فيه.
(فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا).
يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف بباب المسجد فقال:
(إِن اللهَ أحسن عليكم الثناءَ في طَهوركم فبِمَ تَطَهرون؟
فقالوا نغسل إثر الغائط بالماء.
وهُؤلاء قومٌ من الأنصار.
* * *
وقوله: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩)
ويجوز " أَفَمَنْ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ "، ويجوز " أَفَمَنْ أَساسُ بُنْيَانِهُ "
ويجوز " أَفَمَنْ أُسُسُ بُنْيَانِهُ ".
فأمَّا (أَسَّسَ بُنْيَانَهُ)، و (أُسِّسَ بُنْيَانُهُ)، فقراءَتان جَيدَتان، والذي ذُكِرَ غير
هاتين جائزُ في العربية، غير جائز في القراءَة، إِلا أن تثبتَ به رواية.
المعنى أن من أسس بنيانه على التقوى خير ممن أَسَّسَ بُنْيَانَهُ على الكفر
فقال: (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ).