قال بعضهم: كان الحبسُ لِلثيبينِ، والأذَى للبِكْرَيْنِ، يوبخان، فيقال
لهما زنيتما وفَجَرْتُمَا وانتهكتما حرمات اللَّه، وقال بعضهم: نسخ الأذى لهما مع الحبس، وقال بعضهم: الأذى لا ينبغي أن يكون منسوخاً عنهما إِلا أن يتوبا، وإِن قوله عزَّ وجلَّ: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢). هو من التوبيخ لهما بأن يفضحا على رُؤُوسِ الملأ.
أمَّا ما سلف مما كان في أمر الفاجرين فقد استغنى عنه إِلا أن الفائدة
فيه أن الشهادة لم تزل في الزنا شهادةَ أربعة نفَر.
* * *
وقوله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧)
ليس معناه أنهم يعملون السوءَ وهُم جُهَّال، غيرُ مُميزينَ فإن من لا عقل
له ولا تمييز لا حدَّ عليه، وإنَّمَا معنى بجهالة أنهم في اختيارهم اللذة الفانية
على اللذة الباقيةِ جُهَّال. فليس ذلك الجهل مسقطاً عنهم العذابَ. لو كان
كذلك لم يعذب أحَد ولكنه جهل في الاختيار.
ومعنى (يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) يتوقفون قبل الموت، لأن ما بين الإنسان
وبين الموت قريب، فالتوبة مقبولة قبل اليقين بالموت.
وقوله: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)
(حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) إِنما لم تكن له
التوبة، لأنه تاب في وقت لا يمكن الإقلاع بالتصرف فيما يحقق التوبة.
(أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
أي مؤلماً مُوجِعاً، والمؤلم الذي يبلغ إِيجاعُه غاية البُلوغِ.