لأن ينزل اللَّه، أي كفروا لهذه العلَّةِ، فشرحه كهذا الذي شرحناه.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ): معنى باءُوا في اللغة
احتملوا، يقال قد بْؤت بهذا الذنْبِ أيَ تحملته - ومعنى بِغَضبٍ على غَضَبٍ - فيه قولان:
قال بعضهم: بغَضبٍ من أجل الكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - على غَضبٍ على الكفر بعيسى - صلى الله عليه وسلم - يعني بهم إليهود.
وقيل (فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ) أي بإثْم استحقوا به النار على إِثم تَقَدم أي استحقوا به أيضاً النَّارَ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)
أي بالقرآن الذي أنزل اللَّه على النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا أنؤمن بما أنْزِل علينَا، وقد بين الله أنهم غيرمؤمنين بما أنزل عليهم، وقد بيَّنَّا ذلك فيما مضى.
وقوله تعالى: (وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ).
معناه ويكفرون بما بعده، أي بما بعد الذي أنزل عليهم، (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ)، فهذا يدل على أنهم قد كفروا بما معهم إذْ كفروا بما يُصَدِّقُ ما
معهم، نصب مصدقاً على الحال، وهذه حال مؤَكدة، زعم سيبويه والخليلُ
وجميع النحوين الموثوقُ بعلمهم أن قولك " هو زيد قائماً " خطأ، لأن قولك هو زيد كناية عن اسم متقدم فليس في الحال فائدة، لأن الحال توجب ههنا إنَّه إذا كان قائماً فهو زيد، فإِذا ترك القيامُ فليس بزيد - وهذا خطأ.
فأما قولك هو زيد معروفاً، وهو الحق مصدقاً، ففي الحال فائدة، كأنك قلت انْتَبِهْ لَهُ معروفاً، وكأنه بمنزلة. قولك هو زيد حقاً، فمعروفاً حال لأنه إِنما يكون زيداً لأنه يعرف بزيد، وكذلك " الحق " القرآن هو الحق إِذ كان مصدقاً لكتب الرسل.