والإنشاء، وجعله مثلاً لهم فقال: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
أي قوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) قد ضربَهُ لكم مَثَلًا فبما يصعب
ويسهل.
* * *
وقوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨)
هذا مثل ضربهُ اللَّه - عزَّ وجلَّ - لمن جَعَلَ له شَريكاً مِنْ خلقه.
فأعلم - عزَّ وجلَّ - أَنَّ مَمْلُوك الإنسان ليس بشريكهه في ماله وزوجته، وأنه لا يخافُ من مملوكه أن يَرِثَه فقال: ضرب لكم مثلا من أنفسكم أن
جعلتم ما هو مِلْكٌ للًه من خلقه مثلَ اللَّه، وأنتم كلكم بَشَر، ليس
مماليككم بمنزلتكم في أموالكم، فاللَّه - عزَّ وجلَّ - أجْدَرُ ألَّا يَكونَ يُعْدَلُ
به خلقه.
(كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ).
موضع الكاف نَصَب.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)
الحنيف الذي يميل إلى الشيء فلا يرجع عنه كالحَنَفَ في
الرجلِ وهو مَيْلها إلى خارجها خلْقَةً.
لا يَملكُ الأحنَفُ إنْ يَرُدَّ حَنَفَهُ.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا).
(فِطْرَتَ اللَّهِ) منصوب بمعنى اتَبِعْ فطرة اللَّهِ، لأن معنى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ)
اتبع الدينَ القَيِّمَ. اتبع فِطرةَ اللَّه، ومعنى فطرة الله خِلْقَةَ اللَّه
التي خلق عليها البشرَ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
" كل مَوْلُودٍ يُولَدُ على الفِطرة