للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويجوز تَسَاقط عليك، ويجوز يُسَاقِطْ عَلَيْكِ، ويجوز نُسَاقط عَلَيْكِ. بالنون

ويجوز يَسَّاقَطْ باليَاءِ، ويجوز يتساقط عليك. ويجوز تُساقطُ عَلَيْك

ونساقطُ. وَيسَّاقَطُ بالرفع. وُيروَى عن البَراءِ بن عَازِب.

فمنْ قرأ يساقَطُ عَلْيكِ فالمعنى يَتَسَاقطُ فأدغمت التاء في السِينِ ومن قرأ

تسَّاقَطْ، فالمعنى تَتَساقَطُ أيضاً. فأدْغِمت الياء في السّين وأنِّثَ لأن لَفظَ النَخْلَةِ مُؤَنَثٌ. ومن قرأ تَسَاقَط بالتاء والتخفيف فإنه حذف التاء من - تتساقط لاجتماع التاءَيْن، ومن قرأ يُسَاقِطْ:.، إلى معنى يُسَاقِطُ الجذْعُ عَلَيْك. ومن قرأ نُسَاقِط بالنون فالمعنى إنا نحن نُسَاقِطُ عليك فنجعل لك بِذلك آيةً.

والنحويون يقولون إن رُطباً مَنْصوُبٌ على التمييز، إذا قْلتَ يسًاقَطُ أو

يتساقط فالمعنى يتساقط الجذعُ رُطبأ، ومن قرأ تَسَاقطُ فالمعنى تَتساقطُ النخلة

رُطباً (١).

* * *

وقوله: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)

أي فكلي من الرطب، واشربي من السَّرِيِّ، (وَقَرِّي عَيْنًا) بعيسى.

يقال: قرِرْت به عيناً أقَرُّ بفتح القاف في المستقبل.

وقَرَرْتُ في المكان أقِر - بكسر القاف - في المستقبل.

و (عَيْنًا) منصوب على التمييز (٢).

(فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا).

بغير ألف في تَريِنَ، ويجوز " تَرأيِنَّ " بألف ولم يقرأ بالألف أَحَدٌ وهي

جَيِّدَة بالغة لكنها لا يجوز في القراءة.

وكذلك قوله عزَّ وجلَّ: (إنني مَعَكُمَا أسَمَعَ وأرَى)، ويجوز وأرْأي بالألف، ولا تقرأ بها، لفظُها أرْأى، لأن


(١) قال السَّمين:
قوله: {وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ}: يجوز أَنْ تكونَ الباءُ في «بِجَذْعِ» زائدةً كهي في قولِه تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ} [البقرة: ١٩٥] [وقولِه:]
٣٢٢٢ - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لا يَقْرَأْن بالسُّوَر
وأنشد الطبري:
٣٢٢٣ - بوادٍ يَمانٍ يُنْبِتُ السِّدْرَ صَدْرَه. . . وأَسْفَلُه بالمَرْخِ واشَّبَهانِ
أي: هُزِّي جِذْعَ النخلةِ. ويجوز أَنْ يكونَ المفعولُ محذوفاً، والجارُّ حالٌ من ذلك المحذوفِ تقديرُه: وهُزِّي إليك رُطَباً كائناً بجذع النخلة. ويجوز أن يكونَ هذا محمولاً على المعنى؛ إذِ التقدير: هُزِّي الثمرةَ بسبب هَزِّ الجِذْع، أي: انفُضِي الجِذْع. وإليه نحا الزمخشري فإنه قال: «أو افْعَلي الهَزَّ كقولِه:
٣٢٢٤ - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . يَجْرَحْ في عراقيبِها نَصْلي
قال الشيخ:» وفي هذه الآيةِ وفي قولِه تعالى: {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} [القصص: ٣٢] ما يَرُدُّ على القاعدةِ المقررةِ في علم النحو: من أنَّه لا يتعدَّى فعلُ المضمرِ المتصل إلى ضميره المتصلِ إلا في باب ظنٍّ، وفي لفظَتَيْ فَقَد وعَدِمَ، لا يُقالُ: ضَرَبْتَكَ ولاَ ضَرَبْتُني، أي: ضربْتَ أنت نفسَك وضربْتُ أنا نفسي، وإنما يُؤْتى في هذا بالنفس، وحكمُ المجرورِ بالحرفِ حكمُ المنصوبِ فلا يقال: هَزَزْتَ إليك، ولا زيدٌ هَزَّ إليه، ولذلك جَعَلَ النحويون «عن» و «على» اسْمَيْن في قولِ امرِئ القيس:
٣٢٢٥ - دَعْ عنك نَهْباً صِيْحَ في حُجُراتِه. . . ولكنْ حَديثاً ما حديثُ الرواحلِ
وقول الآخر:
٣٢٢٦ - هَوَّنْ عليكَ فإنَّ الأمورَ. . . بِكَفِّ الإِلهِ مقادِيْرُها
وقد ثبت بذلك كونُهما اسمين لدخولِ حرفِ الجر عليهما في قوله:
٣٢٢٧ - غَدَتْ مِنْ عليهِ بعدما تَمَّ ظِمْؤُها. . . تَصِلُّ وعن قَيْضٍ ببَيْداءَ مَجْهَلِ
وقولِ الآخر:
٣٢٢٨ - فقُلْتُ للرَّكْبِ لَمَّا أَنْ عَلا بِهِمْ. . . مِنْ عَنْ يمينِ الحُبيَّا نظرةٌ قَبْلُ
وإمَّا «إلى» فحرفٌ بلا خلافٍ، فلا يمكنُ فيها أَنْ تكونَ اسماً ك «عَنْ» و «على». ثم أجاب: بأنَّ «إليك» في الآيتين لا تتعلَّقُ بالفعلِ قبله، إنما تتعلَّقُ بمحذوفٍ على جهةِ البيان تقديرُه: أَعْني إليك «. قال:» كما تَأَوَّلوا ذلك في قولِه: {لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} [الأعراف: ٢١] في أحد الأوجه «.
قلت: وفي ذلك جوابان آخران، أحدهما: أن الفعلَ الممنوعَ إلى الضمير المتصل إنما هو حيث يكون الفعلُ واقعاً بذلك الضمير، والضميرُ مَحَلٌّ له نحو:» دَعْ عنك «» وهَوِّنْ عليك «وأمَّا الهَزُّ والضَّمُّ فليسا واقعين بالكاف فلا محذورَ. والثاني: أنَّ الكلامَ على حذفِ مضافٍ تقديره: هُزِّي إلى جهتِكِ ونحوك، واضمُمْ إلى جهتِك ونحوك.
قوله:» تُساقِطْ «قرأ حمزة» تَسَاقَطْ «بفتح التاء وتخفيفِ السين وفتح القاف. والباقون - غيرَ حفصٍ - كذلك إلا أنَّهم شَدَّدوا السين، وحفص بضم التاء وتخفيفِ السين وكسر القاف.
فأصلُ قراءةِ غيرِ حفص» تَتَساقط «بتاءين، مضارعَ» تساقَطَ «فحذف حمزةُ إحدى التاءين تخفيفاً نحو:» تَنَزَّلٌ «و» تَذَكَّرون «، والباقون أدغموا التاءَ في السِّيْن.
وقراءةُ حفص مضارع «ساقَطَ».
وقرأ الأعمش والبراء بن عازب «يَسَّاقَطْ» كالجماعة إلا أنه بالياء مِنْ تحتُ، أدغم التاء في السين، إذ الأصلُ: يتساقط فهو مضارع «اسَّاقط» وأصلُه يَتَساقط، فأُدْغم واجِتُلِبَتْ همزةُ الوصل ك «ادَّارَأ» في تَدَارَأَ.
ونُقل عن أبي حيوة ثلاثُ قراءاتٍ: / وافقه مسروقٌ في الأولى، وهي «تُسْقِط» بضم التاء وسكون السين وكسر القاف مِنْ أَسْقَط. والثانية كذلك إلا أنه بالياء مِنْ تحت. الثالثة كذلك إلا أنه رفع «رُطَباً جَنِيَّاً» بالفاعلية.
وقُرِئَ «تَتَساقط» بتاءين مِنْ فوقُ، وهو أصلُ قراءةِ الجماعة. وتَسْقُط ويَسْقُط بفتح التاء والياء وسكون السين وضَمَّ القاف. فَرَفْعُ الرُّطَبِ بالفاعلية، وتعطي من الأفعال ما يوافقه في القراءات المتقدمة. ومَنْ قرأ بالتاءِ مِنْ فوقُ الفعلُ مسندٌ: إمَّا للنخلة، وإمَّا للثمرةِ المفعومة من السِّياق، وإمَّا للجِذْع. وجاز تأنيثُ فِعْلِه لإِضافتِه إلى مؤنث، فهو كقوله:
٣٢٢٩ - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . كما شَرِقَتْ صدرُ القناةِ من الدَّم
وكقراءة «تَلْتَقِطْه بعض السيارة». ومَنْ قرأ بالياء مِنْ تحتُ فالضميرُ للجِذْع وقيل: للثمر المدلولِ عليه بالسياق.
وأمَّا نَصْبُ «رُطَباً» فلا يَخْرُجُ عن كونِه تمييزاً أو حالاً موطِّئة إنْ كان الفعل قبلَه لازماً، أو مفعولاً به إن كان الفعل متعدَّياً، والذكيُّ يَرُدُّ كلَّ شيء إلى ما يليق به من القراءات. وجَوَّز المبردُ في نصبه وجهاً غريباً: وهو أَنْ يكونَ مفعولاً به ب «هُزِّيْ» وعلى هذا فتكون المسألة من باب التنازع في بعض القراءات: وهي أَنْ يكونَ الفعلُ فيها متعدِّياً، وتكونَ المسألةُ من إعمالِ الثاني للحذف من الأول.
وقرأ طلحة بن سليمان «جَنِيَّاً» بكسرِ الجيم إتباعاً لكسرةِ النون.
والرُّطَبُ: اسمُ جنسٍ لرُطَبَة بخلافِ «تُخَم» فإنَّع لتُخَمة، والفرق: أنهم لَزِموا تذكيرَه فقالوا: هو الرُّطَبُ، وتأنيثَ ذاك فقالوا: هي التُّخَم، فذكَّروا «الرطب» باعتبار الجنس، وأنَّثوا «التُّخَم» باعتبار الجمعية، وهو فرقٌ لطيفٌ. ويُجْمَعُ على «أَرْطاب» شذوذاً كرُبَع وأَرْباع. والرُّطَب: ما قُطِع قبل يُبْسِه وجَفافِه، وخُصَّ الرُّطَبُ بالرُّطَبِ من التَّمْرِ. وأَرْطَبَ النخلُ نحو: أَتْمَرَ وأَجْنَى.
والجَنِيُّ: ما كابَ وصَلُحَ للاجْتِناء. وهو فَعيل بمعنى مفعول وقيل: بمعنى فاعِل: أي: طَرِيَّاً، والجَنَى والجَنِيُّ أيضاً: المُجَتَنَى من العَسَلِ، وأَجْنَى الشجرُ: أَدْرَك ثَمَرُه، وأَجْنَتِ الأرضُ كَثُرَ جَناها. واسْتُعير من ذلك «جَنَى فلانٌ جنايةً» كما استعير «اجْتَرَم جريمةً». اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(٢) قال السَّمين:
قوله: {وَقَرِّي عَيْناً}: «عَيْناً» نصبٌ على التمييز منقولٌ من الفاعل، إذ الأصلُ: لِتَقَرَّ عينُك. والعامَّة على فتحِ القاف مِنْ «قَرِّيْ» أمراً مِنْ قَرَّتْ عَيْنُه تَقَرُّ، بكسر العين في الماضي، وفتحِها في المضارع.
وقُرِئ بكسرِ القاف، وهي لغةُ نجدٍ يقولون: قَرَّتْ عينُه تَقِرُّ بفتح العين في الماضي وكسرِها في المضارع، والمشهورُ أن مكسورَ العين في الماضي للعين، والمفتوحَها في المكان. يقال: قَرَرْتُ بالمكانِ أَقِرُّ به، وقد يُقال: قَرِرْتُ بالمكانِ بالكسر. وسيأتي ذلك في قولِه تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: ٣٣].
وفي وَصْفِ العين بذلك تأويلان، أحدُهما: أنَّه مأخوذٌ مِنَ «القُرّ» وهو البَرْدُ: وذلك أنَّ العينَ إذا فَرِح صاحبُها كان دَمْعُها قارَّاً أي بارداً، وإذا حَزِن كان حَرَّاً ولذلك قالوا في الدعاء عليه: «أَسْخَنَ اللهُ عينَه»، وفي الدعاء له: «أقرَّ اللهُ عينَه. وما أَحْلى قولَ أبي تمام:
٣٢٣٠ - فأمَّا عيونُ العاشِقينَ فَأُسْخِنَتْ. . . وأمَّا عيونُ الشامتينَ فَقَرَّتِ
والثاني: أنه مأخوذٌ من الاستقرار، والمعنى: أعطاه الله ما يُسَكِّنُ عينَه فلا تطمحُ إلى غيره. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>