قوله: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢)
شعائر اللَّه المعالم التي نَدَبَ إليها وأمَر بِالقِيامِ بِها، واحَدتها شعيرة.
فالصفا والمروةُ من شعائر اللَّه، " الذى يُعْنَى به هنا البُدْنُ.
* * *
وقوله: (لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ
[(٣٣)]
يعنى أن لكم في البدن - قبل أن تُعْلِمُوهَا، وتُسَموهَا هَدياً إلى بيتي - مَنَافِع.
فإذا أشْعَرْتُموهَا - والإشعار أن يشق في السنام حتى يَدْمَى ويعلق عليها نَعْلاً
ليعلم أنها بدنة، فأكثرُ النَّاسِ لا يرى الانتفاع بها إذا جُعِلَتْ بدنةً، لا
بِلَبَنِهَا ولا بِوَبَرِهَا وَلَا بِظَهْرِهَا، يقول لا يُعْطَى لبنها ووبرها وظهرها أحَداً لأنها
بدنة فلا ينتفع بها غير أهْل اللَّهِ إلاَّ عند الضرورة المخُوفِ معها الموت.
وبعضهم يقول: إنَّ له أنْ ينتفع بها فيركبها المُعْيِي وينتفع بمنافعها إلى وقت
محلها - مَكانِ نَحْرِها -.
والحجة في ذلك أن النَبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ برَجُلِ يسُوقُ بدَنَةً
فأمره - صلى الله عليه وسلم - بركوبها، فقال: إنها بدنة فأمَره الثانية وأمَره الثالثة، وقال له في الثالثة: اركبها وْيحَكَ، فهذا - يجوز أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه مُضْطراً في ركوبها من شدة
الإعياء، وجائز على ظاهر الحديث أن يكون ركوبُها جائزاً.
ومن أجاز ركوبَها والانتفاع بها يقول: ليس له أنْ يُهْزِلَها وينضِيَها لأنها بدنة.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤)
وتقرأ مَنْسِكاً، والمنسك في هذا الموضع يدل على معنى النحر فكأنه
قال جعلنا لكل أُمَّةٍ أن تتقربَ بأن تَذْبح الذبَائح لِلَّه، ويدل على ذلك قوله
تعالى (ليَذكُروا اسمَ اللَّهِ على ما رَزَقَهُم من بَهيمَةِ الأنْعَامِ).
المعنى ليذكروا اسم الله على نَحْرِ ما رَزقهم من بهيمة الأنعام.
وقال بعضهم: المنْسَكُ الموضِع الذي يجب تعهده، وذلك جائز.