(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤)
أي بنيان لاصق بعضُه بِبَعْض لا يغادر بَعْضُه بَعْضاً.
فأعلم اللَّه - عزَّ وجلَّ - أنه يحب من يثبت في الجهاد في سبيله ويلزم
مَكَانَهُ كَبُيُوتِ البناء المرْصُوصِ.
ويجوز - واللَّه أعلم - أن يكون عني أن تستوي نِياتُهُمْ في حَرْبِ عَدُوهِمْ حتى يكونوا في اجتماع الكلمةِ ومُوَالَاةِ بعضهم بعضاً كالبنيانِ المرصوص.
* * *
وقوله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥)
قد بينَّا في سورة الأحْزاب ما كان آذوه به.
(فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ).
أي عدَلُوا عنِ الحق وانصرفوا عنه فأضلَّهم الله وَصَرَفَ قُلوبَهُمْ.
وقوله: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
معناه لا يهدي من سبق في علمه أنَّهُ فَاسِقٌ.
* * *
وقوله: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)
موضع (إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) و (إذ قال موسى) جميعاً نصب.
المعنى اذكر إذ قال موسى، واذكر إذ قال عيسى ابنُ مريم.
أي اذْكر لقومِكَ وأُمَّتِكَ قَصةَ مُوسَى وعيسى وما كان عاقبة من آمَنَ بِهِمَا وعاقبة من كفر وآذى الأنبياءَ.
وقولُه: (لِلْحَوَارِيينَ).
قيل إن الحواريين سموا بذلك لبياض ثيابِهِمْ، وقيل كانوا قصَّارِينَ.
والحَوارِيُّونَ خُلْصَان الأنْبِيَاءِ وصَفْوَتُهُمْ، والدليل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: