كما قال: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، وصف تلك الجناتِ فقال: مثل الجنَّة جنَّة كما وصف.
وقيل إن المعنى صِفَةُ الجنَّةِ، وهو نحَوٌ مِما فَسَّرَنَا.
ثم قال: (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ).
أي لهم فيها من كل الثمَرات وَلَهُم مَغْفِرةٌ من رَبهمْ، يَغْفِر ذُنُوبَهُمْ ولا
يجازون بالسيئات، ولا يوَبَّخُونَ في الجنَّةِ، فَيُهكوْنَ الفوز العظيم والعَطاءَ
الجَزِيلَ.
ثم قال:
(كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ).
المعنى أفمن كان على بَينَةٍ من رَبِّه وأُعْطَىْ هَذِهِ الأشْيَاء، كمَن زُيِّنَ له
سوء عمله وهو خَالِدٌ في النَّارِ.
(وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ).
واحد الأمعاء مِعًى، مثل ضِلَع وَأضْلَاع.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٦)
يعني المنافقين.
(حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا).
كانُوا يَسْمُعونَ خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا خرجوا سألوا أصحاب رسول الله استهزاء وإعلاماً أنهم لم يلتفتوا إلى ما قال، فقالوا: مَاذَا قَال آنِفاً، أي ماذا قال الساعة، ومعنى آنفاً من قولك استأنَفْتُ الشيء إذا ابْتَدَأتُه، ورَوْضَة أُنُفٌ، إذَا لَمْ تُرْعَ بَعْدُ، أي لها أولٌ يُرعَىْ، فالمعنى ماذا قال من أول وَقْتٍ يَقْرُب مِنَّا.
وقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧)
الضمير الذي في (زَادَهُمْ) يجوز أن يكون فيه أحدُ ثلاثة أوْجُهٍ:
فأجْوَدُهَا - واللَّه أعلم - أن يكون فيه ذكر الله، فيكون المعنى مردُوداً على