قوله: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ}: قرأ الأخَوان «قل: كم لَبِثْتُمْ». «قُلْ إنْ لبثتم» بالأمر في الموضعين، وابن كثير كالأخوين في الأول فقط، والباقون «قال» في الموضعين، على الإِخبار عن الله أو المَلَك. والفعلان مرسومان بغيرِ ألفٍ في مصاحفِ الكوفة، وبألفٍ في مصاحفِ مكةَ والمدينةِ والشامِ والبصرةِ، فحمزةُ والكسائيُّ وافقا مصاحفَ الكوفة وخالفها عاصمٌ، أو وافقها على تقديرِ حَذْفِ الألفِ من الرسم وإرادتها. وابن كثير وافق في الثاني مصاحفَ مكة، وفي الأولِ غيرَها، أو أتاها على تقديرِ حَذْفِ الألف وإرادتِها. وأمَّا الباقون فوافقوا مصاحفَهم في الأول والثاني. و «كم» في موضعِ نصبٍ على ظرفِ الزمانِ أي: كم سنة. و «عددَ» بدلٌ مِنْ «كم» قاله أبو البقاء: وقال غيره: إن «عد سنين» تمييز ل «كم» وهذا هو الصحيحُ. وقرأ الأعمش والمفضل عن عاصم «عَدَداً» منوناً. وفيه أوجهٌ، أحدُها: أَنْ يكونَ «عدداً» مصدراً أُقيم مُقام الاسمِ، فهو نعتٌ تقدَّم على المنعوت. قاله صاحب «اللوامح». يعني أن الأصل: «سنين عدداً» أي: معدودة، لكنه يُلتزم تقديمُ النعتِ على المنعوتِ، فصوابُه أن يقول: فانتصبَ حالاً. هذا مذهبُ البصريين. والثاني: أنَّ «لَبِثْتُم» بمعنى عَدَدْتُم. فيكون نصبُ «عدداً» على المصدر و «سنين» بدلٌ منه. وقال صاحب «اللوامح» أيضاً: «وفيه بُعْدٌ؛ لعدم دلالة اللُّبث على العدد». والثالث: أنَّ «عدداً» تمييزٌ ل «كم» و «سنين» بدلٌ منه. قوله: {العآدين}: جمعُ «عادٍّ» من العَدَد. وقرأ الحسن والكسائي في روايةٍ بتخفيفِ الدالِ جمعَ «عادٍ» اسم فاعل مِنْ عدا أي/: الظَّلَمَة. وقال أبو البقاء: «وقُرىء بالتخفيفِ على معنى العادِيْن المتقدِّمين كقولك:» وهذه بِئْرٌ عادية «، أي: سَلْ من تقدَّمَنا. وحَذَفَ إحدى ياءَي النسَب كما قالوا الأشعرون وحَذَفَ الأخرى لالتقاء الساكنين». قلت: المَحْذوفُ أولاً مِن الياء الثانية لأنها المتحركةُ، وبحذفِها يلتقي ساكنان. ويؤيِّد ما ذكره أبو البقاء ما ذكره الزمخشري فقال: «وقُرىء» العادِيِّين «أي: القدماء المُعَمَّرين فإنهم يستقصرونها فكيف بمن دونهم؟». وقال ابن خالويه: «ولغةٌ أخرى» العاديِّين «يعني بياءٍ مشددة جمع عادِيَّة بمعنى القدماء». اهـ (الدُّرُّ المصُون). (٢) قال السَّمين: قوله: {وَمَن يَدْعُ}: شرطٌ. وفي جوابِه وجهان أصحُّهما: أنه قوله «فإنما حِسابُه» وعلى هذا ففي الجملة المتقدمة وهي قولُه: {لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} وجهان، أحدُهما: أنها صفةٌ ل «إلهاً» وهو صفةٌ لازمةٌ. أي: لا يكون الإِلَهُ المَدْعُوُّ من دون اللهِ إلاَّ كذا، فليس لها مفهومٌ لفسادِ المعنى. ومثلُه {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: ٣٨] لا يُفْهم أنَّ ثَمَّ إلَهاً آخرَ مَدْعُوَّاً من دونِ اللهِ له برهان، وأن ثَمَّ طائراً يطير بغير جناحيه. الثاني: أنها جملةٌ اعتراضٍ بين الشرطِ وجوابِه. وإلى الوجهين أشار الزمخشري بقولِه: «وهي صفةٌ لازمةٌ كقوله:» يَطير بجناحيه «، جيء بها للتوكيد لا أَنْ يكونَ في الآلهة ما يجوز أَنْ يقومَ عليه بُرْهانٌ. ويجوز أَنْ يكونَ اعتراضاً بين الشرطِ والجزاءِ كقولك:» مَنْ أحسن إلى زيدٍ لا أحقَّ بالإِحسان منه فاللهُ مُثيبُه «. الثاني: من الوجهين الأولين: أنَّ جوابَ الشرطِ» قولُه لا بُرْهانَ له به «كأنه فَرَّ مِنْ مفهومِ الصفةِ لِما يلزمُ مِنْ فسادِه فَوَقَعَ في شيءٍ لا يجوزُ إلاَّ في ضرورةِ شعرٍ، وهو حَذْفُ فاءِ الجزاءِ من الجملةِ الاسميةِ، كقوله: ٣٤٣٢ مَنْ يَفْعَلِ الحسناتِ اللهُ يَشْكُرُها. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت. وقد تقدَّم تخريجُ كونِ» لا برهانَ له «على الصفةِ. ولا إشكال؛ لأنها صفةٌ لازمةٌ، أو على أنها جملةٌ اعتراضٍ. قوله: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ} الجمهور على كسرِ الهمزةِ على الاستئنافِ المُفيد للعلمِ. وقرأ الحسنُ وقتادةُ» أنه «بالفتح. وخَرَّجَه الزمخشري على أَنْ يكنَ خبر» حِسابُه «قال: ومعناه: حسابُه عدمُ الفلاحِ. والأصلُ: حسابُه أنه لا يُفلح هو، فوضع» الكافرون «في موضع الضمير، لأن مَنْ يَدْعُ في معنى الجمع وكذلك» حِسابُه أنه لا يُفلح «في معنى: حسابهم أنهم لا يُفْلحون» انتهى. ويجوزُ أَنْ يكونَ ذلك على حَذْفِ حرفِ العلةِ أي [ل] أنَّه لا يُفْلح. وقرأ الحسن «لا يَفْلح» بفتح الياءِ واللام، مضارعَ فَلَح بمعنى أفلح، فَعَل وأَفْعَل فيه بمعنىً. والله أعلم، وهو يقول الحقَّ ويَهْدي السبيلَ. اهـ (الدُّرُّ المصُون).