(فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ).
أي ما يتمتع به في الدنيا قليل عندما يتمتع به أولياءُ اللَّهِ في الجَنة.
وقوله: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)
هذا وعيد شديد في التخلف عن الجهاد، وأعلم انَه يستبدل لِنَصْرِ دينه
ونبيه قوماً غيرَ مُثاقِلِين عنِ النصْرِ إِلى أعدائه إِذ أعلمهم اللَّه عزَّ وجل أنهم إن
تركوا نصره فلن يَضُرهُ ذلك شيئاً كما لم يضرره إذ كان بمكة لا ناصرين له.
فقال عزْ وجل:
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)
وكان المشركون قد أجمعوا على قتله - صلى الله عليه وسلم - فمضى هو وأبو بكر الصديق هارباً منهم في الليل، وترك عَلِياً عَلَى فِراشِهِ ليرَوْا شخصه على الفراش فلا يعلمون وقت مُضيِّهِ، وأطلعا أسماءَ بنت أبي بكر على مكانهما في الغَار، وَمَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ثُمَامَة، وهي شجرة صغيرةٌ ضعيفة فأمر أبا بكر أن يأخذها معه، فلما صارا إِلى الغار، أمر أبا بكرٍ فجعلها عَلَى باب الغار، ثم سبق أبو بكر إِلى دُخُولِ الغارِ فانبطح فيه، وألقى نفسه، فقال رسول اللَّه: لم فَعَلْتَ ذلك؟
فقال: لأنَّ هَذِه الغِيرَان تكون فيها الهوامُّ المؤْذية والسباع فأحْبَبْتُ إِن
كان فيها شيء أن أقيكَ بِنَفْسِي يا رسول اللَّه.
ونظر أبو بكر إِلى جحر في الغار فسدَّه برجله، وقال إِنْ خَرَجَ منه ما يؤذِي وقيتُكَ منه.
فلما أصبح المشركون اجتازوا بالغار فبكى أبو بكر الصديق فقال له
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يُبكيك؟
فقال: أخاف أنْ تُقْتَلَ فلا يُعْبد اللَّه بَعْدَ اليوم.
فقال له رسول اللَّه: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) أي إِنَّ الله تعالى يمنعُهُم مِنا وَيَنْصُرُنَا،