للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من قرأ بالتنوين فمعناه وَتْراً فاَبْدَل التاءَ من الواو كما قالوا تَوْلج وهو من

وَلجَ، وأصله وَوْلج، وكما قالَ الشًاعِرُ.

فإِن يكن أَمْسى البِلَى تَيْقورِي

أَي: وَقاري، وهو فيعول من الوقار. وكما قالوا: تُجَاه وإنما هو وُجَاه

من المُواجِهة، ومن قال تترى بغير تَنْوينِ فإنما جعلها على فَعْلَى بألف التأنيثِ

فلم ينَون، ومعنى تَتْرَى من المواتَرةِ، وقال الأصمعي معنى واتَرْتُ الخبرَ

اتبعت بعضَه بَعْضاً وبين الخبرين هُنيَّة.

وقال غيره: الموَاتَرَةُ المتابعة، وأصل

كل هذا من الوِتْر، وهو الفَرْدُ، وهو أَنْ جَعَلْتَ كل وَاحِدٍ بعد صاحبه فَرْداً فَرْداً (١).

* * *

وقوله: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)

ولم يقل آيتين، لأن المعنى فيهما آيَة واحدة، ولو قيل آيَتَيْن لجاز

لأنهما قد كان في كل واحد منهما ما لم يكن في ذَكَرٍ وَلَا أَنثى، مِنْ أَن مَرْيَمَ

وَلَدَتْ من غير فَحْل، ولأن عيسى روح من اللَّه ألقاه إلى مَرْيَمَ ولم يكن هذا

في ولدٍ قط.

وقوله: (وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ).

في ربوة ثلاث لغات رَبْوَة، ورِبْوَة، ورُبوة، وفيها وجهان آخران، رَبَاوَة.

وَرِباوة. وهو عند أهل اللغة المكانُ المرتَفِع وجاء في التفسير أنه يعني بربوة

هَنَا بيتُ المَقْدِس، وأَنه كَبِدُ الأرْضِ وأنه أقرب الأرض إلى السماء.

وقيل يعني به دِمَشْق، وقيل فلسطينُ والرحْلَةُ.

وكل ذلك قد جاء في التفسير.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ).


(١) قال السَّمين:
قوله: {تَتْرَى}: فيه وجهان، أحدُهما: وهو الظاهرُ أنَّه منصوبٌ على الحالِ مِنْ «رُسُلَنا» بمعنى متواتِرين أي: واحداً بعد واحدٍ، أو مُتتابعين على حَسَبِ الخلافِ في معناه كما سيأتي. وحقيقتُه أنه مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحالِ. والثاني: أنه نعتٌ مصدرٍ محذوف تقديرُه: إرسالاً تَتْرى أي: متتابعين أو إرسالاً إثرَ إرْسال.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهي قراءةُ الشافعيِّ «تَتْرَىً» بالتنوين. وباقي السبعةِ «تترى» بألفٍ صريحةٍ دونَ تنوينٍ. وهذه هي اللغةُ المشهورةُ، فَمَنْ نَوَّن فله وجهان، أحدُهما: أنَّ وَزْنَ الكلمةِ فَعْل كفَلْس، فقوله: «تَتْرَىً» كقولك: نَصَرْتُه نَصْراً. وَوَزْنُه في قراءتِهم فَعْلاً. وقد رُدَّ هذا الوجهُ بأنَّه لم يُحْفَظْ جَرَيانُ حركاتِ الإِعرابِ على رائِه، فيُقال: هذا تَتْرٌ ومررت بتَتْرٍ نحو: هذا نَصْرٌ، ورأيت نصراً، ومررتُ بنصرٍ. فإذا لم يُحْفَظْ ذلك بَطَلَ أَنْ يكونَ وزنُه فَعْلاً. الثاني: أن ألفَه للإِلحاقِ ب جَعْفر كهي في أَرْطى وعَلْقى فلمَّا نُوِّن ذَهَبَتْ لالتقاءِ الساكنين. وهذا أقربُ مِمَّا قبلَه، ولكنه يلزمُ منه وجودُ ألفِ الإِلحاقِ في المصادرِ وهو نادرٌ، الثالث: أنها للتأنيثِ كدعوى. وهي واضحةً فتحصَّلَ في ألفِه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها بدلٌ من التنوينِ في الوقفِ. الثاني: أنها للإِلحاق. الثالث للتأنيث. واخْتُلف فيها: هل هي مصدرٌ كدعوى وذكرى، أو اسمُ جمعٍ كأسرى وشتى، كذا قالهما الشيخ. وفيه نظرٌ، إذ المشهورُ أنَّ أسرى وشَتَّى جمعا تكسيرٍ لا اسما جمعٍ. وفاؤُها في الأصلِ واوٌ؛ لأنَّها من المُواترة والوِتْر، فقُلِبَتْ تاءً كما قُلِبَتْ تاءً في تَوْارة وتَوْلج وتَيْقُور وتُخَمَة وتُراث وتُجاه، فإنها من الوَرْي والوُلوج والوَقار والوَخامة والوِراثة والوَجْه.
واختلفوا في مَدْلُولِها: فعن الأصمعيِّ: واحداً بعد واحد، وبينهما مُهْلَة. وقال غيره: هي من المُواترة وهي التتابُعُ بغير مُهْلة. وقال الراغب: «والتواتُرُ: تتابُعُ الشيءِ وِتْراً وفرادى. قال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} والوَتِيْرَة: السَّجِيَّةُ والطريقة. يقال: هم على وَتيرةٍ واحدةٍ. والتِرَةُ: الذَّحْلُ. والوَتيرة: الحاجزُ بين المَنْخِرَيْن.
قوله: {أَحَادِيثَ} قيل: هو جمعُ» حديث «ولكنه شاذٌّ. وقيل: بل هو جمعُ أُحْدُوْثَة كأُضْحُوكة. وقال الأخفش:» لا يُقال ذلك إلاَّ في الشَّرِّ. ولا يُقال في الخير. وقد شَذَّتِ العربُ في أُلَيْفاظ فجمعوها على صيغة مَفاعيل كأَباطيل وأَقاطيع «. وقال الزمخشري:» الأحاديث تكونَ اسمَ جمعٍ للحديث، ومنه أحاديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم «. قال الشيخ:» وأَفاعيل ليس من أبنيةِ اسمِ الجمع، وإنما ذكرَه أصحابُنا فيما شَذَّ من الجموعِ كقَطيع وأقاطيع، وإذا كان عَباديد قد حكموا عليه بأنه جمعُ تكسيرٍ مع أنهم لم يَلْفِظوا له بواحدٍ فأحرى «أحاديث» وقد لُفِظ له بواحدٍ وهو «حديث» فاتضح أنه جمُع تكسيرٍ لا اسمُ جمعٍ لما ذكَرْنا «. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>