للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(في البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ). وإذا كُسِرَ وَنوِّنَ طِوًى فهو - مثل مِعًى وَضِلعٍ - مَصْرُوفَ.

ومَنْ لم ينوِّن جعله اسماً للبقعةِ.

* * *

وقوله - عزَّ وجلَّ - (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (١٣)

ويقرأ (وَأَنَّا اخْتَرْنَاكَ)، فمن قرأ: (وَأَنَّا اخْتَرْنَاكَ) فالمعنى يؤدي بـ (وَأَنَّا اخْتَرْنَاكَ) ويجوز (وَإِنَّا اخْتَرْنَاكَ) على وجهين:

على الاستئناف وعلى معنى الحكاية لأنَّه معنى يُؤدىَ قيل له إِنَّا اخْتَرْنَاكَ.

* * *

وقوله: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤)

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).

هذا على معنيين أحدهما أقم الصلاة لأن تَذْكُرَني لأن الصلَاةَ لا تكونُ

إلا بذكر اللَّه، والمعنى الثاني هو الذي عليه الناس ومعناه أقم الصلاة متى

ذَكَرْتَ أنَّ عليك صلاةً كنتَ في وقتها أو لم تكن، لأن اللَّه عزَّ وجلَّ لا يؤاخذُنا إن تسينا ما لم نَتعمَّدْ الأشياء التي تَشْغَلُ وتُلْهِي عن الصلاة، ولو ذَكَرَ ذَاكِر أنَّ عليه صلاةً في وقت طُلُوع الشمس أوعندَ مَغيبَها وَجَب أن يصفيَها.

وقرئت لِلذِكْرَى - معناه في وقت ذكرك.

* * *

وقوله: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥)

بضم الألِفِ، وجاء في التفسير: أكاد أخفيها من نفسي، فالله أعلم

بحقيقة هذا التفسير، وقرئت: أكاد أَخْفِيهَا - بفتح الألف - معناه أكاد أُظْهِرها (١)

قال امرؤ القيس:


(١) قال السَّمين:
قوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} العامةُ على ضمِّ الهمزةِ مِنْ» أُخْفيها «. وفيها تأويلاتٌ، أحدُها: أن الهمزةَ في» أُخْفيها «للسَّلْبِ والإِزالةِ أي: أُزيل خفاءَها نحو: أعجمتُ الكتابَ أي: أزلْتُ عُجْمَتَه. ثم في ذلك معنيان، أحدهما: أنَّ الخفاءَ بمعنى السَّتْر، ومتى أزال سَتْرَها فقد أظهرَها. والمعنى: أنها لتحقُّق وقوعِها وقُرْبِها أكادُ أُظْهِرُها لولا ما تَقْتضيه الحكمةُ من التأخير. والثاني: أنَّ الخفاءَ هو الظهورُ كما سيأتي. والمعنى: أزيلُ ظهورَها، وإذا أزالَ ظهورَها فقد استترَتْ. والمعنى: أني لِشدَّةِ أبهامها أكاد أُخْفيها فلا أُظْهِرُها/ ألبتَّةََ، وإن كان لا بد من إظهارِها؛ ولذلك يوجدُ في بعض المصاحف كمصحف أُبَيّ: أكاد أُخْفيها مِنْ نفسي فكيف أُظْهِرُكُمْ عليها؟ وهو على عادةِ العرب في المبالغة في الإِخفاء قال:
٣٢٧٧ أيامَ تَصْحَبُني هندٌ وأُخْبِرُها. . . ما كِدْت أكتُمُه عني من الخبرِ
وكيف يُتَصَوَّرُ كِتْمانُه مِنْ نفسه؟
والتأويلُ الثاني: أنَّ» كاد «زائدةٌ. قاله ابنُ جُبَيْر. وأنشدَ غيرُه شاهداً عليه قولَ زيدِ الخيل:
٣٢٧٨ سريعٌ إلى الهَيْجاء شاكٍ سلاحُه. . . فما إنْ يكادُ قِرْنُه يتنفَّسُ
وقال آخر:
٣٢٧٩ وألاَّ ألومَ النفسَ فيما أصابني. . . وألا أكادَ بالذي نِلْتُ أَبْجَحُ
ولا حُجَّةَ في شيءٍ منه.
والتأويل الثالث: أنَّ الكَيْدُوْدَةَ بمعنى الإِرادة ونُسِبت للأخفش وجماعةٍ، ولا ينفعُ فيما قصدوه.
والتأويل الرابع: أنَّ خبرَها محذوفٌ تقديره: أكاد آتي به لقُرْبها. وأنشدوا قول ضابىء البرجمي:
٣٢٨٠ هَمَمْتُ ولم أفْعَلْ وكِدْتُ وليتني. . . تَرَكْتُ على عثمانَ تَبْكي حلائِلُهْ
أي: وكِدْتُ أفعلُ، فالوقفُ على» أكادُ «، والابتداء ب» أُخْفيها «، واستحسنه أبو جعفر.
وقرأ أبو الدرداء وابنُ جبير والحسنُ ومجاهدٌ وحميدٌ» أَخْفيها «بفتح الهمزة. والمعنى: أُظْهرها، بالتأويل المتقدم يقال: خَفَيْتُ الشيءَ: أظهَرْتُه، وأَخْفَيْتُه: سترته، هذا هو المشهور. وقد نُقِل عن أبي الخطاب أنَّ خَفَيْتُ وأَخْفَيْتُ بمعنىً. وحُكي عن أبي عبيد أنَّ» أَخْفى «من الأضدادِ يكون بمعنى أظهر وبمعنى سَتَر، وعلى هذا تَتَّحد القراءتان. ومِنْ مجيءِ خَفَيْتُ بمعنى أظهَرْت قولُ امرىء القيس:
٣٢٨١ خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفاقِهِنَّ كأنما. . . خفاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عَشِيٍّ مُجَلِّبِ
وقول الآخر:
٣٢٨٢ فإنْ تَدْفِنوا الداءَ لا نَخْفِهِ. . . وإنْ تُوْقِدُوْا الحربَ لا نَقْعُدِ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>