وروي عن علي رضي اللَّه عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن اللَّه أكرم من أن يَثْنيَ على عبده العُقوبَةَ، أي إذا أصابته في الدنيا مصيبة بما كسبت يداه لم يثن عليه العقوبة في الآخرة.
وأما من قرأ: (وما أصابكم مِنْ مُصِيبَةٍ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكم ويعفو عن كثير)
أي لا يجازى على كثير مما كسبت أيديكم قي الدنيا، وجائز أن يكون
(يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) فلا يجازى عليه في الدنيا ولا في الآخرة.
ومعنى: (مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ).
ما لهم من مَعْدِلٍ، ولا مِنْ مَنجى، يقال حاص عنه إذا تنحى، ويقال
حاض عنه في معنى حاص، ولا يجوز أن يقرأ ما لهم من محيض، وأن كان
المعنى واحداً.
فأمَّا موضع (الذين) في قوله: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فيجوز أن يكون نصباً، ويجوز أن يكون رفعاً.
فمن نصب فعلي معنى ويجيب اللَّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
ومن رفع فعلى معنى يستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات للَّهِ - عزَّ وجلَّ - أي لما يدعوهم اللَّه إليه.
* * *
وقوله: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧)
موضع (الَّذِينَ) خفض صفة لقوله (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
و (كَبَائِرَ الْإِثْمِ)، قال بعضهم كل ما وعد اللَّه عليه النار فهو كبيرة.
وقيل الكبائر من أول سورة النساء من قوله: (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)
إلى قوله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ).
وقد قيل: الكبائر الشرك باللَّهِ، وقتل النفس التي حرم اللَّه، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، واستحلال الحرام.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨)