ولا أعلم احداً فَسَّرَ ذَلِكَ غيري، وهو أحسن من أن يجعل الشيءُ خطأ
إذ نطقت به العرب وكان له وجه من القياس، إلا أنه من جنس البدل الذي
إنما يتبع فيه السماع، ولا يجعل قياساً مستمراً.
فأما ما رواه نافع من معائش بالهمز فلا أعرف له وجهاً، إلا أن لفظَ هذه
الياءِ التي من نفس الكلمة أسْكِنَ في معيشة فصار على لفظ صحيفة، فحمل
الجمع على ذلك، ولا أحب القراءَة بالهمز إذ كَانَ أكْثرُ النَّاسِ إنَّمَا يَقْرأونَ
بترك الهمز، ولو كان مما يهمزُ لجاز تحقيقه وترك همزه، فكيف وهو مما لا
أصل له في الهمز؛ وهو كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ الذي ينبغي أن يقال فيه إلى ما
عليه الأكثر لأن القراءَة سنة فالأوْلى فيها الاتباع، والأولى اتباع الأكثر.
وزعم الأخفش أن مصائب إنما وقعت الهمزة فيها بدلاً من الواو
أُعلَّت في مصيبة، - وهذا ردِيءِ. لا يلزم أن أقول في مقام مقائِم ولفي معونة معائن.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: " (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)
زعم الأخفش أن (ثم) ههنا في معنى الواو، وهذا خطأ لا يجيزه الخليل
وسيبويه وجميع من يوثق بعربيته، إنما ثم للشيءِ الذي يكون بعد المذكور قبله
لا غير، وإنما المعنى في هذا الخطاب ذكر ابتداءُ خلق آدم أولًا، فإِنما المعنى
إِنا بدأنا خلق آدم ثم صورناه، فابتداء خلق آدم التراب، الدليل على ذلك قوله عزَّ وجلَّ (إن مثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَل آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب).
فبدأ اللَّه خلق آدم تراباً، وبدأ خلق حواءَ من ضلع من أضلاعه، ثم