وقوله جلَّ وعزَّ (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨)
وقرأ ابن عباس وابن مسعود رحمهما اللَّه: إنا جعلنا (فِي أيْمَانِهِمْ).
وقرأ بعضهم (في أَيْدِيهم أَغلَالًا)، وهاتان القراءتان لا يجب أن يقرأ
بواحدة منهما؛ لأنهما بخلاف المصحف.
فالمعنى في قوله في أعناقهم
ومن قرأ (في أيمانهم) ومن قرأ (في أيديهم) فمعنى واحد.
وذلك أنه لا يكونُ الغُل في العنقُ دُونَ اليَدِ ولا في اليد دون العُنُق، فالمعنى إنا جعلنا في أعْنَاقِهِمْ وفي أيمانهم أَغْلَالًا.
(فَهِيَ إلَى الأذْقَانِ).
كناية عن الأيدي لَا عن الأعناق، لأن الغُل يجعل اليد تلي
الذقْنَ، والعُنُق هو مُقَارِبٌ للذقَن، لَا يجعَلُ الغُلُّ العُنَقَ إلى الذقَنِ.
وقوله: (فَهُمْ مُقْمَحُونَ).
المُقْمَحُ " الرافع رأسِه الغَاضُّ بَصرِه، وقيل للكانونين شَهْرَا قِمَاح
لأن الِإبل إذَا وَرَدَتْ الماءَ ترفع رُءوسَها لِشدةِ بَرْدِه، ولذا قيل شهرا
قِمَاح، وإنما ذكرت الأعناق ولم تذكر الأيدي إيجازاً واختصاراً لأن
الغل يتضمَّنُ العُنُقَ واليَدَ.
ومن قرأ (في أيمانهم) فهو أيضاً يدل على العُنُق.
ومثل هذا قول المُثَقَّب:
فما أَدْرِي إذا يَمَّمْتُ أَرْضاً. . . أُرِيدُ الخَيْرَ أَيُّهما يَلِيني؟
أَأَلخَيْر الذي أنا أَبْتَغيهِ. . . أمِ الشَّر الذي هو يَبْتَغِيني