قوله: {ذَلِكَ}: مبتدأٌ. والإِشارةُ به إلى ما تعاقَدَا عليه، والظرفُ خبرُه. وأُضِيْفَتْ «بين» لمفردٍ لتكررِها عطفاً بالواوِ. ولو قلتَ: «المالُ بين زيدٍ فعمرٍو» لم يَجُزْ. فأمَّا قولُه: . . . . . . . . . . . . . . . . . بين الدَّخولِ فَحَوْمَلِ فكان الأصمعيُّ يَأْباها ويَرْوي «وحَوْمَلِ» بالواو. والصحيحُ بالفاءِ، وأوَّلَ البيتَ على: «الدَّخولِ وَحَوْمَلِ» مكانان كلٌّ منهما مشتملٌ على أماكنَ، نحو قولِك: «داري بين مصرَ» لأنه به المكانُ الجامع. والأصل: ذلك بَيْنَنا، ففرَّق بالعطف. قوله: {أَيَّمَا الأجلين} «أيّ» شرطيةٌ. وجوابُها «فلا عُدْوانَ» عليَّ. وفي «ما» هذه قولان، أشهرُهما: أنها زائدةٌ كزيادتِها في أخواتِها مِنْ أدواتِ الشرط. والثاني: أنها نكرةٌ. والأَجَلَيْن بدلٌ منها. وقرأ الحسن وأبو عمرٍو في رواية «أَيْما» بتخفيفِ الياءِ، كقوله: تَنَظَّرْتُ نَصْراً والسِّماكَيْنِ أَيْهُما. . . عليَّ من الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ وقرأ عبد الله «أَيَّ الأَجَلَيْنِ ما قَضَيْتُ» بإقحام «ما» بين «الأجلين» و «قَضَيْتُ». قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: ما الفرقُ بين موقعَيْ زيادةِ» ما «في القراءتين؟ قلت: وقعَتْ في المستفيضة مؤكِّدةً لإِبهامِ» أيّ «زائدةً في شِياعِها، وفي الشاذَّة تأكيداً للقضاءِ كأنه قال: أيَّ الأجلين صَمَّمْتُ على قضائه، وجَرَّدْت عَزيمتي له». وقرأ أبو حيوةَ وابنُ قطيب «عِدْوان». قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: تَصَوُّرُ العُدْوان إنما هو في أحد الأجلَيْن الذي هو أقصرُهما، وهو المطالبةُ بتتمَّة العَشْر، فما معنى تعلُّقِ العُدْوانِ بهما جميعاً؟ قلت: معناه كما أنِّي إنْ طُوْلِبْتُ بالزيادةِ على العشر [كان عدواناً] لا شك فيه، فكذلك إنْ طولِبْتُ بالزيادةِ على الثمان. أراد بذلك تقريرَ ِأمرِ الخِيارِ، وأنه ثابتٌ مستقرٌّ، وأن الأجلَيْنِ على السَّواء: إمَّا هذا وإمَّا هذا». ثم قال: «وقيل: معناه: فلا أكونُ متعدياً. وهو في نَفْي العدوان عن نفسه كقولِك: لا إثمَ علي ولا تَبِعَةَ». قال الشيخ: «وجوابُه الأولُ فيه تكثيرٌ». قلتُ: كأنه أعجبه الثاني، والثاني لم يَرْتَضِه الزمخشريُّ؛ لأنه ليس جواباً في الحقيقة؛ فإن السؤالَ باقٍ أيضاً. وكذلك نَقَلَه عن غيره. وقال المبرد: «وقد عَلِم أنه لا عُدْوانَ عليه في أتَمِّهما، ولكنْ جَمَعَهما ليجعلَ الأولَ كالأَتَمِّ في الوفاء». اهـ (الدُّرُّ المصُون). (٢) قال السَّمين: قوله: {أَوْ جَذْوَةٍ}: قرأ حمزة بضم الجيم. وعاصم بالفتح. والباقون بالكسرِ. وهي لغاتٌ في العُود الذي في رأسِه نارٌ، هذا هو المشهورُ. قال السُّلمي: حمى حُبِّ هذي النارِ حُبُّ خليلتي. . . وحُبُّ الغواني فهو دونَ الحُباحُبِ وبُدِّلْتُ بعد المِسْكِ والبانِ شِقْوةً. . . دخانَ الجُذا في رأسِ أشمطَ شاحبِ وقيَّده بعضُهم فقال: في رأسِه نارٌ مِنْ غيرِ لَهَبٍ. قال ابن مقبل: باتَتْ حواطِبُ ليلى يَلْتَمِسْنَ لها. . . جَزْلَ الجُذا غَيرَ خَوَّارٍ ولا دَعِرِ الخَوَّارُ: الذي يتقصَّفُ. والدَّعِرُ: الذي فيه لَهَبٌ، وقد وَرَدَ ما يقتضي وجودَ اللهبِ فيه. قال الشاعر: ٣٦٠٣ وأَلْقَى على قَبْسٍ من النارِ جَذْوةً. . . شديداً عليها حَمْيُها والتهابُها وقيل: الجَذْوَة: العُوْدُ الغليظُ سواءً كان في رأسه نارٌ أم لم يكنْ، وليس المرادُ هنا إلاَّ ما في رأسِه نارٌ. قوله: {مِّنَ النار} صفةٌ ل جَذْوَةٍ، ولا يجوزُ تَعَلُّقها ب «آتِيْكُمْ» كما تَعَلَّق به «منها»؛ لأنَّ هذه النارَ ليسَتْ النارَ المذكورةَ، والعربُ إذا تقدَّمَتْ نكرةٌ وأرادَتْ إعادَتَها أعادَتْها مضمرةً، أو معرَّفَةً ب أل العهديةِ، وقد جُمِع الأمران هنا. اهـ (الدُّرُّ المصُون).