ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤)
فقال: (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) فإنما دخلت ثم في العطف على التلاوة.
والمعنى قُلْ تَعَالَوْا أتْلُ مَا حَرَّمَ رَبكُمْ عَلَيكُمْ، أتْلُ عليْكم ألا تَقْتلُوا
أولادَكم، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله، ثم أتلو ما آتاه اللَّه موسى.
ومعنى (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) يكون على " تماماً على المحسن "
المعنى: تماماً من الله على المحسنين، ويكون (تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) أي على
الذي أَحْسَنَه مُوسَى مِنْ طاعَةِ اللَّهِ واتبَاع أمرِه.
ويجوز تماماً على الذي هُوَ أحْسنُ الأشْياءِ.
و" تمام " منصوب مفعول له، وكذلك وتفصيلاً لكل شيء.
المعنى آتيناه لهذه العلة أي للتمام والتفصيل.
* * *
وقوله: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥)
والمبارَكُ ما يأتي من قِبَلِهِ. الخيرُ الكثيرُ، وهو من نعت (كتاب)
ومن قرأ " أنْزَلْنَاهُ مُبَارَكاً " جاز ذلك في غير القراءَةِ، لأن المصحف لا يُخَالَفُ ألبَتَّةَ.
وقوله: (فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
أيْ لِتَكونوا رَاجِينَ للرحْمَةِ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (١٥٦)
قال بعضهم: معناه أنْزَلْنَاهُ لئلا تَقُولُوا إِنما أنزِلَ الكتابُ أي أنزلناه لتنْقَطِعَ
حُجتُهمْ، وإِنْ كانت الحجةُ للَّهِ عزَّ وجلَّ، لأن الكتُبَ التي أنْزِلَتْ قبلَ
النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كانت فيها الحجة، ولم يكن اللَّه عَزَّ وجلَّ: لِيَتْركَ خَلقَه سُدًى بغير حجة، ولكن في تنزيل الكتاب والنبي - صلى الله عليه وسلم - غاية الحجة، والزيادة في الإبَانةِ.