لنا أن نعمَلَ مَعَاوِلَ نقاتل بها المشركين، فأمروا بالكف وأداءَ ما افْترِضَ عليهم غير القتال، فلما كتبَ عليهم القتال خشي فريق منهم (وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ).
المعنى هَلَّا أخرْتنَا.
فأَعلم اللَّه - عزَّ وجلَّ - أن متاع الدنيا قليل وأن الآخرة لِأهْل التُّقَى.
وأعلمهم أن آجالهم تخطئهم ولو تحصنوا بأمنع الحصون فقال:
(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (٧٨)
لأن مُفَعَّلة، وفعَّل للتكثير، يقال: شاد الرجل بِناءَه يشيده شَيداً إِذا رَفَعَه وإذَا. طَلاَه بالشيد، وهو ما يطلى به البناءُ من الكِلس والجصِّ وغَيرهِ، ويقال أيضاً قد أشَادَ الرجل بِنَاءَهُ.
فأمَّا في الذِكْرِ فأشدت بذكْر فُلانٍ لا غير إِذا رَفَعْتَ من ذِكرِه.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ).
قيل كانت إليهود - لُعِنَتْ - تَشَاءَمَتْ برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عند دخوله المدينة فقالت: منذ دخل المدينة نَقَصَتْ ثمارُنا وغلت أسعارنَا، فأعلمَ اللَّهُ عز وجل أن الخصْبَ والجَدْبَ من عِندِ اللَّهِ.
* * *
وقوله: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩)
فذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يرادُ به الخلق.
ومخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تكون للناسِ جميعاً لأنه عليه السلام لِسانهم، والدليل على ذلك قوله:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ).
فنادى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده وصار الخطاب شامِلًا له ولسائر أمَّتِه، فمعنى