وقرأ أبو جعفر المدني: يُذْهِبُ بالأبْصَارَ، ولم يقرأ بها غيرُه، ووجهها
في العربيَّةِ ضعيف، لأن كلام العَرَبِ: ذَهَبْتُ بِهِ وَأَذْهَبْتُه.
وتلك جائزة أيضاً - أعني الضم في الياءِ في يُذْهِبُ.
ومعنى (سَنَا بَرْقِهِ) ضَوء بَرْقِه، وقرئت (سَنَا بُرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)
على جَمْعِ بُرْقَةٍ وبُرْقٍ، والفرق بين بُرْقِهِ - بالضمِ -
وبَرْقِهِ بالفتح أن البرق المقدارُ من البرق، والبرقَةُ أن يبرق الشيء مَرةً واحِدةً، كما تقول: غَرفْتُ غَرفَةً وَاحِدةً تريد مَرة وَاحِدةً.
والغَرْفَةُ مقدار ما يُغْرَفُ، وكذَلِكَ اللَّقمة واللُّقْمَة.
* * *
وقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥)
(وَاللَّهُ خَالِقُ كُلِّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)
ويقرأ، (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)، فَدَابَّة اسم لكل حيوان مُمَيَنر وغيره:
فلما كان لما يعقل ولما لَا يعقِلُ قال (فمنهم)، ولوكان لما لَا يَعْقِل لقيلَ فمنها
أو مِنْهُنَّ.
ثم قال: (مَنْ يَمْشي عَلَى بَطْنِه).
فقال (مَنْ) - وأصل مَنْ لِمَا يَعْقِل -، لأنه لَمَّا خلَط الجماعةَ فقيل فمنهم
جعلت العِبَارَةُ بِمَنْ، وقيل يمشي على بطنه، لأن كل سائر كان له رِجْلان أو
أربع أوْ لَمْ تكن له قَوائِم، يقال له ماش وقَدْ مَشَى، ويقال لكل مُسْتَمِر مَاشٍ، وإن لم يكن من الحيوان حَتى يقال قد مشى. هذا الأمْرِ.
(مِنْ مَاءٍ)، وإِنَما قيل من ماء كما قال اللَّه سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).
وقوله جلَّ وعلا: (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩)
جاء في التفسير " مُسْرِعين "، والِإذْعَان في اللغةِ الإسْراعُ مَعَ الطاعَة.
تقول: قَدْ أذْعَنَ لي بِحَقِي، معناه قَدْ طَاوَعَنِي لِمَا كُنْتُ أَلْتَمِسُه مِنه، وصارَ
يُسْرِعُ إليْه.