فموضع (ما) نصب في قوله: (إلا مَا اضْطرِرْتمْ إلَيْه).
ومعنى ما اضْطُرِرْتم دعَتْكمُ شِدة الضرورَةِ، أي شِدة المَجَاعةِ إلى أكله.
(وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ).
أي إن الذين يُحِلُّون المَيْتة ويُناظِرونكم في إحلالها، وكذلك كل ما
يضلونَ فيه، إنما يتبعون فيه الهوى والشهوة ولا بَصِيرةَ ولا علمَ عندهم.
* * *
وقوله: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠)
جاءَ في التفسير أن ظاهرهُ الزنَا، وباطنه اتخاذ الأخدان والأصدقاء على
جهة الريبة.
والذي يدُل عليه الكلام أن المعنى - واللَّه أعلم - اتركرا الإثم -
ظَهراً، أو بَطْناً، أي لا تقربوا ما حرَّم اللَّه عليكم جَهْراً ولا سِرًّا.
* * *
وقوله: جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)
أي مِما لَمْ يُخْلَصْ ذبْحُه للَّهِ عزَّ وجلَّ.
(وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ومعنى الفِسْق الخروجُ عن الحق والدِّين، يقال فسقت
الرطبة، إذا خرجت عن قشرتها.
(وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ).
أي يُوَسوِسُ الشيطانُ لوَليِّه فَيُلْقي في قلبه الجدال بالباطِل، وهو ما
وصفنا من أن المُشْركين جادلوا المسلمين في الميتة. -
(وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ).
هذه الآية فيها دليل أنَّ كل مَنْ أحَلَّ شيئاً مما حرمَ الله عليه أوحرَّم شيئاً
مما أحلَّ الله له فهو مُشرِكٌ.
لو أحلَّ مُحِل الميتة في غير اضطرار، أو أحل الزنا لَكان مُشركاً بإِجماع الأمَّةِ، وإن أطاع اللَّه في جميع ما أمر به، وإنما سُمِّي مُشْرِكاً لأنه اتبع غير اللَّه، فأشرك باللَّه غيره،