للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال بعضهم: لولا ما أنزله اللَّه عليكم من القرآن، وبين لكم من الآيات

على لسان نبيه لاتَبعْتُم الشيطانَ إِلَّا قَلِيلًا، أي كان أولكم بجوار الكفر.

وهذا ليس قولُ أحد من أهل اللغة، قال أهل اللغة كلُّهم:

المعنى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) إِنما هو استثناء من قوله (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) إِلَّا قَلِيلًا).

وقال النحويون: المعنى أذاعوا به إِلا قليلًا.

وقالوا أن يكون الاستثناء من أذاعوا به إلا قليلًا أجود، لأن مَا عُلِمَ

بالاستنباط فليس الأكثر يعرفه، إِنما يستنبط القليل، لأن الفضائل

والاستنباط، والاستخراج في القليل من الناس.

وهذا في هذا الموضع غلط من النحويين، لأن هذا الاستنباط ليس بشيء يستخرج بنظر وتفكر، إنما هو استنباط خبر، فالأكثر يعرف الخبر، إذا خُبِرَ بِه، وإِنما القليل المبالِغُ في البلادة لا يَعْلَمُ ما يُخْبرُ بِه، والقول الأول مع هذين القولين جائزة كلها. والله أعلم.

لأن القرآن قبل أن ينزل والنبي قبل أن يبعث قد كان في الناس القليلُ

ممن لم يشاهد القرآن ولا النبي - صلى الله عليه وسلم - مَؤمناً.

وقد يجوز أن يقول القائل إِن من كان قبل هذا مَؤمناً فبفضل اللَّه وبرحمته آمَنَ، فالفضل والرحمة لا يخلو منهما من نال ثواب الله جلَّ وعزَّ

إلا أن المقصود به في هذا الموضع النبي - صلى الله عليه وسلم -

والقرآن.

* * *

وقوله جلَّ وعزَّ (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (٨٤)

هذه الفاءَ جواب قوله جلَّ وعزَّ: (وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>