قوله: {عِندَ سِدْرَةِ}: ظرفٌ لِرَآه و «عندها جنةُ» جملةٌ ابتدائيةٌ في موضعِ الحالِ. والأحسنُ أَنْ يكونَ الحالُ الظرفَ، و «جَنَّةُ المَأْوى» فاعلٌ به. والعامَّةُ على «جنَّة» اسمٌ مرفوعٌ. وقرأ أمير المؤمنين وأبو الدرداء وأبو هريرة وابن الزبير وأنس وزر بن حبيش ومحمد بن كعب «جَنَّهُ» فعلاً ماضياً. والهاء ضميرُ المفعول يعود للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم. والمَأْوَى فاعلٌ بمعنى: سَتَره إيواءُ اللَّهِ تعالى. وقيل: المعنى: ضَمَّه المبيتُ والليلُ. وقيل: جَنَّهُ بظلالِه ودَخَلَ فيه. وقد رَدَّت عائشةُ رضي الله عنها هذه القراءةَ وتبعها جماعةٌ وقالوا: «أجَنَّ اللَّهُ مَنْ قرأها»، وإذا ثبتت قراءةً عن مثلِ هؤلاء فلا سبيلَ إلى رَدِّها، ولكنِّ المستعملَ إنما/ هو أَجَنَّه رباعياً، فإن استعمل ثلاثياً تَعَدَّى ب «على» كقولِه {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الليل} [الأنعام: ٧٦]. وقال أبو البقاء: «وهو شاذٌّ والمستعملُ أجنَّه». وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المادةِ في الأنعام. و «إذ يَغْشَى» منصوبٌ ب رآه. وقولُه: «ما يَغْشَى» كقولِه: {مَآ أوحى} [النجم: ١٠]. اهـ (الدُّرُّ المصُون). (٢) قال السَّمين: قوله: {ضيزى}: قرأ ابنُ كثير «ضِئْزَى» بهمزةٍ ساكنةٍ، والباقون بياءٍ مكانَها. وزيدُ علي «ضَيْزَى» بفتح الضادِ والياءِ الساكنة. فأمَّا قراءةُ العامَّةِ فيُحْتمل أَنْ تكونَ مِنْ ضازه يَضَيزه إذا ضامه وجارَ عليه. فمعنى ضِيْزَى أي: جائرة. قال الشاعر: ٤١٣٢ ضازَتْ بنو أُسْدٍ بحُكْمِهِمُ. . . إذ يَجْعلون الرأسَ كالذَّنَبِ وعلى هذا فتحتملُ وجهين، أحدُهما: أَنْ تكونَ صفةً على فُعْلى بضم الفاءِ، وإنما كُسِرت الفاءُ لتصِحَّ الياءُ كبِيْض. فإنْ قيل: وأيُّ فالجوابُ أن سيبويه حكى أنه لم يَرِدْ في الصفاتِ فِعْلَى بكسر الفاء إنما وَرَدَ بضمِّها نحو: حُبْلى وأُنْثى ورُبَّى وما أشبهه. إلاَّ أنه قد حَكى غيرُه في الصفات ذلك، حكى ثعلب: «مِشْية حِيْكى»، ورجلٌ كِيْصَى. وحكى غيرُه: أمرأةٌ عِزْهى، وامرأة سِعْلى، وهذا لا يُنْقَضُ لأن سيبويه يقول: حِيْكى وكِيْصى كقولِه في «ضيزَى» لتَصِحَّ الياءُ، وأما عِزْهَى وسِعْلى فالمشهورُ فيهما: سِعْلاة وعِزْهاة. والوجه الثاني: أَنْ تكونَ مصدراً كذِكْرى، قال الكسائي: يقال: ضازَ يَضيز ضِيْزَى، كذَكَر يَذْكُر ذِكْرى. ويُحتمل أَنْ يكونَ مِنْ ضَأَزَه بالهمز كقراءةِ ابن كثير، إلاَّ أنه خُفِّفَ همزُها، وإن لم يكنْ من أصولِ القُرَّاءِ كلِّهم إبدالُ مثلِ هذه الهمزةِ ياءً لكنها لغةٌ التُزِمَتْ فقرؤُوا بها، ومعنى ضَأَزَه يَضْأَزُه بالهمز: نَقَصه ظُلماً وجَوْراً، وهو قريبٌ من الأول. ومِمَّن جَوَّز أَنْ تكونَ الياءُ بدلاً مِنْ همزة أبو عبيد، وأَنْ يكونَ أصلُها ضُوْزَى بالواوِ لأنه سُمِع ضازَه يَضُوْزُه ضُوْزى، وضازه يَضِيْزُه ضِيْزى، وضَأَزه يَضْأَزُه ضَأْزاً، حكى ذلك كلَّه الكسائيُّ، وحكى أبو عبيد ضِزْتُه وضُزْته بكسرِ الفاء وضمِّها. وكُسِرت الضادُ مِنْ ضُوْزَى لأنَّ الضمةَ ثقيلةٌ مع الواو، وفعلوا ذلك ليَتَوَصَّلوا به إلى قَلْب الواوِ ياءً، وأنشد الأخفش على لغةِ الهمز: ٤١٣٣ فإن تَنْأَ عَنَّا نَنْتَقِصْك وإن تَغِبْ. . . فَسَهْمُكَ مَضْؤُوْزٌ وأَنْفُكَ راغِمُ و «ضِئْزَى» في قراءةِ ابن كثير مصدرٌ وُصِفَ به، ولا يكون وصفاً أصلياً لِما تقدَّم عن سيبويه. فإنْ قيل: لِم لا قيل في «ضِئْزى» بالكسر والهمز: إنَّ أصلَه ضُئْزَى بالضم فكُسِرَتِ الفاءُ كما قيل فيها مع الياء؟ فالجواب: أنه لا مُوْجِبَ هنا للتغيير؛ إذ الضمُّ مع الهمز لا يُسْتثقل استثقالَه مع الياء الساكنة، وسُمع منهم «ضُوْزَى» بضم الضاد مع الواو أو الهمزة. وأمَّا قراءةُ زيدٍ فَتَحْتمل أَنْ تكونَ مصدراً وُصِف به كدَعْوى، وأَنْ تكونَ صفةً كسَكْرى وعَطْشَى. اهـ (الدُّرُّ المصُون).