لباس التقوى: أي وستر العورة لبَاسُ المتقِينَ.
ثم قال: (ذَلِكَ خَيْرٌ) ويكون على أن لباس التقوى مرفوعٌ بالابتداءِ، ويكون (ذلِكَ) خَيْرٌ يرتفع به " خَيْرٌ " على أنه خبر ذلك.
ويكون ذلك بمنزلة " هو " كأنه - واللَّه أعلم - ولباس التقوى
هو خير، لأن أسماءَ الإشارة تقرب فيما يعود من الذكر من المضمر.
والوجهان الأوَّلاَنِ أبينُ في العربية.
* * *
وقوله: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٧)
(حيثُ) في موضوع جر إلا أنها بُنِيَتْ على الضَّم، وأصلها أن تكون
موقوفةً، لأنها ليست لمكانٍ بعينه وأن ما بعدها صلة لها، لَيْسَتْ بمضافة إليه.
": منَ العَربِ من يقول: ومن حَيْثَ خَرَجْتَ، فيفتح لالتقاءِ السَّاكنين، ومنهم من يقول مِن حوْثٌ خَرجتَ.
ولا تقرأ بهاتين اللغتين لأنهما لم يقرأ بواحد منهما ولا هما في جودة حَيْثُ المبنيَّةِ على الضم.
وقوله: (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ).
(جَعَلْنَا) في اللغة على ضُرُوب، منها جعلت بعض الشيءِ فوق بَعْض.
أي عملته وهَيأته على هذه الصيغَة، ومنها جَعلَ - زيدٌ فُلاناً عاقِلًا، تأويله: سماه عَاقِلًا، ومنها جَعلَ يَقُولُ كذا وكذا، تأويله أنه أخذ في القول.
فأما مَعْنَى الآيةَ فعلى ضربين - واللَّه أعلم -.
أحدهما أن يكون الكفار عُوقبوا بأن سُلِّطَتْ عليهم الشيَاطين تزيدهم فِي
غَيِّهم عقُوبةً على كُفْرِهِمْ كما قَالَ عزَّ وجلَّ:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣).