للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (٥٨)

أي ما من أهل قرية ألا سيهلكون، إما بموت وَإما بِعَذابٍ يَسْتَأصِلَهُمْ.

(كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا).

أي مكتوباً.

* * *

(وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)

(أن) الأولى نصب، و (أن) الثانية رفع.

المعنى ما منعنا الإرْسَالَ ألا تكذيبُ الأولينَ.

والتأويل أنهُمْ سألوا الآيَاتِ التي استوجب بها الأولونَ العذابَ، لمَّا كذبوا بها، فنزل عليهم العذابُ، والدليل على أنهم سألوا تلك الآيات قولهم:

(لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى)، فأَعلم اللَّهُ - جل ثناؤه - أن مَوْعِدَ كُفَار هذه الأمةِ الساعة، فقال: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ). فأخَّرَهم إلى يوم القيامة رحمة منه وتفضلاً.

(وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً).

ويقرأ (مُبْصَرَةً) فمن قرأ (مُبْصِرَةً)، فالمعنى تبصرهم، أي تبين لهم، ومن

قرأ (مُبْصَرَةً) فالمعنى مبينةً، (فَظَلَمُوا بها)، أي فظلموا بتكذيبها (١).

* * *

وقوله: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (٦٠)

جاء في التفسير: أحاط بهم أيْ كلهُمْ فِي قبضته، وعن الحسَن أحاط

بالناس أي حال بينهم وبين أنْ يقتلوك أو يَغْلِبُوكَ كما قال - عزَّ وجلَّ - (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).


(١) قال الإمام زين الدين محمد بن أبى بكر الرَّازى
فإن قيل: قوله تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ. . .الآية)
فيها أسئلة أولها: أن الله تعالى لا يمنعه عما يريده مانع، فإن أراد إرسال الآيات كيف يمنعه تكذيب الأمم الماضية؟
وإن لم يرد إرسالها كان وجود تكذيبهم وعدمه سواء، وكان عدم الإرسال لعدم الإرادة، الثانى: أن الإرسال يتعدى بنفسه قال
الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ) فأى حاجه إلى الباء؟
الثالث: أن المراد بالآيات هنا ما اقترحه أهل مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جعل الصفا ذهباً، وإزالة جبال مكة ليتمكنوا من الزراعة، وإنزال كتاب مكتوب من السماء ونحو ذلك.
وهذه الآيات ما أرسلت إلى الأولين ولا شاهدوها فكيف كذبوها؟
الرابع: تكذيب الأولين لا يمنع إرسالها إلى الآخرين لجواز أن لا يكذب الآخرون، الخامس: أي مناسبة وارتباط بين صدر الآية وقوله تعالى: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً)؟
السادس: ما معنى وصف الناقة بالابصار؟
السابع: إن الظلم يتعدى بنفسه قال الله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) فأى حاجة إلى الباء، وهلا قال فظلموها يعنى بالعقر والقتل؟
الثامن: أن قوله تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) يدل على الارسال بها وقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ) يدل على عدم الإرسال بها؟
قلنا: الجواب على الأول: أن المنع مجازعبر به عن ترك الإرسال بالآيات، كأنه تعالى قال: وما كان سبب ترك الإرسال بالآيات إلا أن كذب بها الأولون، (وعن) الثانى: أنى الباء لتعدية الإرسال إلى المرسل به، لا إلى المرسل لأن المرسل محذوف وهو الرسول.
تقديره: وما منعنا أن نرسل الرسول بالآيات، والإرسال يتعدى إلى المرسل نفسه وإلى المرسل به بالباء، وإلى المرسل إليه بالى قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ) وعن الثالث: أن الضمير في قوله تعالى: (بها) عائد إلى جنس الآيات المقترحة لا إلى هذه
الآيات المقترحة كأنه تعالى قال: وما منعنا أن نرسل بالآيات التى اقترحها أهل مكة إلا تكذيب من قبلهم بالآيات المقترحة يريد المائدة والناقة ونحوهما مما اقترحه الأولون على أنبيائهم، (وعن) الرابع: أن سنة الله تعالى في عباده أن من اقترح آية على الأنبياء وأتوه بها فلم يؤمن عجل الله هلاكه، والله تعالى لم يرد هلاك مشركى مكة لأنه تعالى علم أنه يولد منهم من يؤمن، أو لأنه قضى وقدر في سابق علمه بقاء من بعث إليهم محمد عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة، فلو أرسل بالآيات التى اقترحوها فلم يؤمنوا لأهلكهم، وحكمته اقضت عدم إهلاكهم، فلذلك لم يرسل بها فيصير معنى الآية وما منعنا أن نومل بالآيات المقترحة عليك إلا أن كذب بالآيات المقترحة الأولون فأهلكوا فربما كذب بها قومك فأهلكوا.
(وعن) الخامس: أنه تعالى لما أخبر أن الأولين كذبوا بالآيات المقترحة عين منها واحدة وهى ناقة صالح عليه الصلاة والسلام، لأن آثار ديارهم المهلكة في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم. (وعن) السادس: أن معنى مبصرة دالة كما يقال الدليل مرشد وهاد، وقيل: مبصراً بها كما يقال: ليل نائم ونهار صائم أي ينام فيه ويصام فيه، وقيل: معناه مبصرة يعنى أنها تبصر الناس صحة نبوة صالح عليه الصلاة والسلام، ويعضد هذا قراءة من قرأ مبصرة بفتح الميم والضاد أي تبصرة، وقيل: مبصرة صفة لآية محذوفة تقديره: آية مبصرة أي مضيئة بينة، (وعن) السابع: أن الباء ليست لتعدية الظلم - هنا - إلى الناقة بل معناه فظلموا أنفسهم بقتلها أو بسببها، وقيل: الظلم - هنا -
الكفر، فمعناه فكفروا بها، فلما ضمن الظلم معنى الكفر عداه تعديته.
(وعن) الثامن: أن المراد بالآيات ثانياً العبر والدلالات لا الآيات التى اقترحها أهل مكة.
أهـ {أنموذج جليل في أسئلةٍ وأجوبةٍ عن غرائبِ آي التنزيل صـ ٢٨٣ - ٢٨٦}

<<  <  ج: ص:  >  >>