للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠)

جاءت قريظة من فَوْقِهِمْ، وجاءت قريش وغَطَفَانُ من ناحية مَكةَ.

مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ.

وقوله: (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا).

اختلف القراءُ فيها. فقرأ بَعْضُهُمْ بِإثْبَاتِ الألِفِ فِي الوَقْفِ

والوَصْلِ وقرأ بعضهم " الظنُون " بغير ألِفٍ في الوصل، وبألف في

الوقف.

وقرأ أبو عَمْرٍو " الظُّنُونَ " بغير ألف، في الوصل والوقف.

والذي عليه حُذَّاق النحويين والمتبعُونَ السُّنَّةَ من حُذاقِهِمْ أَن يقرأَوا

(الظُّنُونَا).

ويقفون على الألف ولا يَصِلُونَ، وإنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لأن

أواخر الآيات عِنْدَهُمْ فَوَاصلُ، ويثَبتُون في آخرها في الوقف ما قد

يحذف مثله في الوَصْلِ.

وَهُؤلاءِ يتبعُون المُصْحَفَ ويكرهون أَنْ يَصِلُوا ويثبتوا الألِفَ، لأن الآخر لم يقفوا عَلَيْهِ فيجروه مجرى الفَوَاصِلِ.

ومثل هذا من كلام العَرَبِ في القَوَافِي:

أَقِلِّي اللوم عَاذِل والعِتَابَا.

فأثبت الألف لِأنَّهَا في موضع فاصِلةٍ وهي القافية (١).

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١)

ويجوز زَلْزَالاً. بفتح الزاي، والمصدر من المَضَاعَفِ يجيء على

ضربين فَعْلال وَفِعْلال نحوِ قَلْقَلَهُ قَلْقَالًا وَقِلْقَالاً وَزَلَزلْزَلَتْهُ زَلْزَالاً

وَزِلْزَالاً، والكسر أكثر وَأَجْوَدُ لأنْ غيرَ المَضَاعَفِ من هذا الباب مكسورُ


(١) قال السَّمين:
وقوله: «الظنونا» قرأ نافع وابنُ عامر وأبو بكر بإثبات ألفٍ بعد نون «الظُّنونا» ولامِ «الرسول» في قوله: {وَأَطَعْنَا الرسولا} [الأحزاب: ٦٦] ولام «السَّبيل» في قوله: {فَأَضَلُّونَا السبيلا} [الأحزاب: ٦٧] وَصْلاً ووَقْفاً موافقةً للرسمِ؛ لأنهنَّ رُسِمْنَ في المصحف كذلك. وأيضاً فإنَّ هذه الألفَ تُشْبه هاءَ السكتِ لبيانِ الحركة، وهاءُ السكتِ تَثْبُتُ وقفاً، للحاجة إليها. وقد ثَبَتَتْ وصلاً إجراءً للوصل مُجْرى الوقف كما تقدَّم في البقرة والأنعام. فكذلك هذه الألفُ. وقرأ أبو عمروٍ وحمزةُ بحَذْفِها في الحالَيْن؛ لأنها لا أصلَ لها. وقولُهم: «أُجْرِيَتْ الفواصلُ مُجْرى القوافي» غيرُ مُعْتَدٍّ به؛ لأنَّ القوافي يَلزَمُ الوقفُ عليها غالباً، والفواصلُ لا يَلْزَمُ ذلك فيها فلا تُشَبَّهُ بها. والباقون بإثباتِها وَقْفاً وحَذْفِها وَصْلاً إجراءً للفواصلُ مُجْرى القوافي في ثبوتِ ألفِ الإِطلاق كقولِه:
٣٦٧٦ اسْتأثَرَ اللَّهُ بالوفاءِ وبال. . . عَدْلِ ووَلَّى المَلامَةَ الرَّجُلا
وقوله:
٣٦٧٧ أقِلِّي اللومَ عاذلَ والعِتابا. . . وقُولي إن أَصَبْتُ لقد أصابا
ولأنها كهاءِ السكت، وهي تَثْبُتُ وقفاً وتُخَفَّفُ وصلاً. قلت: كذا يقولون تشبيهاً للفواصلِ بالقوافي، وأنا لا أحب هذه العبارةَ فإنها مُنْكَرَة لفظاً ولا خلافَ في قوله: {وَهُوَ يَهْدِي السبيل} [الأحزاب: ٤] أنه بغيرِ ألفٍ في الحالين.
قوله: «هنالك» منصوبٌ ب «ابْتُلِيَ» وقيل: ب «تَظُنُّون». واسْتَضْعَفَه ابنُ عطية. وفيه وجهان، أظهرهما: أنه ظرفُ مكانٍ/ بعيدٍ أي: في ذلك المكان الدَّحْضِ وهو الخندقُ. الثاني: أنه ظرفُ زمانٍ، وأنشد بعضُهُم على ذلك:
٣٦٧٨ وإذا الأمورُ تَعاظَمَتْ وتشاكَلَتْ. . . فهناك يَعْتَرفون أين المَفْزَعُ
قوله: «وزُلْزِلُوا» قرأ العامَّةُ بضمِّ الزاي الأولى وكسرِ الثانية على أصل ما لم يُسَمَّ فاعلُه. ورَوَى غيرُ واحدٍ عن أبي عمروٍ كَسْرَ الأولى. وروى الزمخشريُّ عنه إشمامَها كسراً. ووجهُ هذه القراءةِ أَنْ يكونَ أتبعَ الزايَ الأولى للثانيةِ في الكسرِ، ولم يَعْتَدَّ بالساكنِ لكونِه غيرَ حصينٍ، كقولهم: «مِنْتِن» بكسرِ الميم، والأصل ضمُّها.
قوله: «زِلْزالاً» مصدر مُبَيِّنٌ للنوعِ بالوصف. والعامَّةُ على كسر الزاي. وعيسى والجحدري فتحاها. وهما لغتان في مصدرِ الفعل المضعَّفِ إذا جاء على فِعْلال نحو: زِلْزال وقِلْقال وصِلْصال. وقد يُراد بالمفتوح اسمُ الفاعل نحو: صَلْصال بمعنى مُصَلْصِل، وزَلزال بمعنى مُزَلْزِل. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>