الجنة، لأن كل ما يقوله أصحاب الأعراف فَعَنِ اللَّه تعالى. وجائز أن يكون
خطاباً من اللَّه عزَّ وجلَّ لأهل الجنة.
وقوله: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ).
فأعلم اللَّه عزْ وجل: أن ابن آدم غيرُ مستغن عن الطعام والشراب وإن
كان معذباً.
فأعلمهم أهلُ الجنة أنْ اللَّه حرمها على الكافرين، يَعْنون أن اللَّه حرم
طعامَ أهل الجنة وشرابَهم على أهل النار، لأنهم إنما يشربون الحميمَ الذي
يُصْهَرُ به مَا في بُطُونهمْ.
* * *
وقوله: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)
قال قوم: تضرعوا تملقاً، وحقيقته - واللَّه أعلم - أن يَدْعُوه خاضعين
متعبدين.
و (خُفْيَةً) أي اعتقدوا عبادته في أنْفُسِكم، لأن الدعاءَ معناه العبادة.
وقوله: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
والمعتدون المجاوزون ما أمِروا به، وَهُمُ الظالمونَ.
* * *
وقوله: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)
(وَادْعُوهُ حوْفاً وطَمَعَاً).
أي ادْعوه خائِفين عذَابه وطامعين في رحمته، ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لَنْ يَدْخُلُ الجنة أحدٌ بعَمَلِه، قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال ولا أنا إلا أن يتَغمدنيَ اللَّهُ برحمته.
وقوله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
إنما قيل (قَرِيبٌ) لأن الرحمة والغفْرَانَ في معنَى واحدٍ وكذلك كل تأنيث
ليس بحقيقي.
وقال الأخفش جائز أن تكون الرحمةُ ههنا في معنى المَطَر.